للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخصوصيات الحضارية وبين العموميات الإنسانية، وإلا فالنتيجة هي الإمعية الحضارية والتبعية الذليلة!

ومن العبث في هذا الصدد أن يقال: وماذا يملك المسلمون من خصوصيات حضارية كي يتعاملوا مع الآخرين من موقف القوة؟! ولنا في الماضي عبرة في الرد على هذا العبث المحبط اليائس: فماذا كان يملك ربعي بن عامر غير الإيمان، واستعلاء الإيمان، والرغبة في الموت في سبيل عقيدته، حينما دخل بثياب صفيقة وترس وقوس قصيرة على رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم قبيل موقعة القادسية، وكان رستم يجلس على سرير من الذهب، وقد زين مجلسه بالنمارق والزرابي والحرير، واليواقيت واللآلئ الثمينة. وعندما أقبل ربعي على رستم، قالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا، وإلا رجعت. فقال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام!

رابعا: إن الناس جميعا هم خلق الله، وقد جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا، لا ليتصارعوا ويتباعدوا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: ١٣] . ففكرة الإسلام هي أن الوجود واحد، وأن الإنسانية وحدة متكاملة. فالحكمة من وراء الاختلاف والتنوع، هي التعاون والتكامل وإلا فلو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: ٤٨] .

لكن الله لم يشأ أن يأخذ الناس قسرا إلى هذه الغاية، لكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهجا، وتركهم يستبقون، وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون.

إذن فتواصل الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم يجب أن يظل قائما، على أن يظل التقارب الوثيق أو التباعد إلى حد القطيعة محكوما بنواميس الهدى والضلال التي تمشي بها مشيئة الله في الناس. وعليه فإنه في سبيل إقامة علاقات تفاهم وتعاون مع الآخرين لحفظ السلام في العالم، لا يجب أن نتجاهل المبادئ والسنن الكونية في الحق والعدل في فلسطين وفي البوسنة وغيرهما، فمثل هذا التجاهل لا يؤدي إلى التفاهم الدولي ولا إلى الإسلام العالمي، بل إلى التنازل عن الحقوق

<<  <   >  >>