للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحياد عن شريعة الله يحدث الشقاق بين الإنسان من جانب، وبين الكون من حوله الخاضع لله بفطرته من جانب آخر؛ فتحدث الكوارث الطبيعية التي تدمر الإنسان في كل مكان؛ حيث تنقلب طاقات الكون وذخائره وقواه من وسائل لتعمير الحياة وترقيتها إلى عوامل تدمير وخراب وشقاء للإنسان والبيئة والكون جميعا.

وعلى هذا فإننا إذا أردنا بناء العدل والسلام في عقول البشر وضمائرهم، فعلينا ألا نسمح بالحياد عن رابطة العقيدة في مناهج التربية لحساب الروابط والولاءات الجغرافية والتاريخية، والسياسية والاجتماعية والشعوبية.. وما إلى ذلك من الروابط المتصلة بنواحي العنصرية البغيضة والعصبية المنتنة.

إنه لا يمكن بناء معايير العدل والسلام في عقول البشر عندما تختفي من مناهج التربية قيمة إعداد "الإنسان" ليكون خليفة لله في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها لحساب إعداد "المواطن" المقطوع الصلة بالله، الذي لا يتسع ولاؤه لأكثر من جماعة من الناس على رقعة ضيقة من الأرض في زمان ومكان معينين! إن هذا المواطن المقطوع الصلة بالله، مهما أتقن العمل وأقام المصانع والمزارع، ومهما اخترع وابتكر، فسوف تتحول نتائج أعماله وابتكاراته إلى عوامل تخريب وتدمير وشقاء؛ لأنه ابتغى العلم والعمل لغير وجه الله، والعلم يأبى أن يكون إلا الله.

إنه لا يمكن بناء العدل والسلام في عقول البشر وضمائرهم، عندما تختفي من مناهج التربية في العالم قيمة بناء الأسرة المتخصصة في العمل بين الزوجين. الأسرة التي تعتبر أن مهمتها الأساسية تربية الناشئة على أساس قويم من الإيمان بالله، والأخوة في الله، والأخوة في الإنسانية. إنه عمدما تختفي هذه القيمة لحساب العلاقات الجنسية "الحرة"! واختلاط الأنساب، وفقدان الولاء للأسرة، وإفراغ طاقة المرأة في الأعمال التي لا تناسب فطرتها.. إنه عندئذ لا ضمان لعدل، ولا أمل في سلام.

وباختصار إن العالم كله -ونحن في مقدمته- في حاجة إلى منهج الإسلام للتربية. فهذا المنهج هو المنهج الوحيد القادر على تربية الأجيال على أساس الإيمان بالله والأخوة في الله، والأخوة في الإنسانية، إنه المنهج الوحيد الذي يستطيع بناء عقول البشر وضمائرهم من خلال مفاهيم وقيم وسلوكيات إنسانية عادلة. وما ذلك إلا لأنه المنهج الوحيد الباقي، الذي يبدأ بسلام الإنسان مع الله، وسلامه مع نفسه، ومع المحيطين به.. وصولا للسلام مع البيئة والطبيعة والعالم كله من حوله، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.

<<  <   >  >>