للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك ليست وظيفة هذا الأدب تزوير الشخصية الإنسانية أو الواقع الحيوي، وإبراز الحياة البشرية في صورة مثالية لا وجود لها. بل الصدق في تصوير المقدرات الكامنة أو الظاهرة في الإنسان، والصدق كذلك في تصوير أهداف الحياة اللائقة بعالم البشر، لا بقطيع من الذئاب.

والأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي أدب أو فن موجه باتجاه أن الإسلام حركة تجديد وترقية مستمرة للحياة، فهو لا يرضى بالواقع في لحظة أو جيل، ولا يبرره أو يزينه لمجرد أنه واقع، فمهمته الرئيسية تطهير هذا الواقع وتحسينه، والإيحاء الدائم بالحركة الخالقة المنشئة لصور متجددة من الحياة.

إنه لمن الأهمية بمكان "أن نقرر هنا أن الأدب أو الفن الإسلامي أدب أو فن موجه، موجه بطبيعة التصور الإسلامي للحياة وارتباطات الكائن البشري فيها، وموجه بطبيعة المنهج الإسلامي ذاته، وهي طبيعة حركية دافعة للإنشاء والإبداع، وللترقي والارتفاع. ولست أعني التوجيه الإجباري على نحو ما يفرضه أصحاب مذهب التفسير المادي للتاريخ، وإنما أعني أن تكيف النفس البشرية بالتصور الإسلامي للحياة، هو وحده سيلهمها صورا من الفنون غير التي يلهمها إياها التصور المادي، أو أي تصور آخر، لأن التعبير الفني لا يخرج عن كونه تعبيرا عن النفس كتعبيرها بالسلوك في واقع الحياة.

وأخيرا فالإسلام لا يحارب الفنون ذاتها، ولكنه يعارض بعض التطورات والقيم "المنحرفة" التي تعبر عنها هذه الفنون. ويقيم مكانها -في عالم النفس- تصورات وقيما أخرى، قادرة على الإيحاء بحركات جمالية إبداعية، وعلى إبداع صور فنية أكثر جمالا وطلاقة، تنبثق انبثاقا ذاتيا من طبيعة التصور الإسلامي، وتتكيف بخصائصه.

ولا ينبغي أن نفهم من هذا تحريم الآداب الأوربية على الناشئة المسلمة. فالذي نعنيه هو مجرد الاختيار والانتقاء. ففي هذه الآداب ما تلتئم روحه من بعض الجوانب مع الروح الإسلامية، لا لأنه حث على الفضائل وتقبيح للرذائل، فالأدب ليس منبرا خطابيا للوعظ والإرشاد. ولكن لأنه ينظر إلى الحياة نظرة روحية أرفع من المادة، ولأنه يعترف بالقيم المعنوية للحياة. فهذا اللون من الأدب يتفق في روحه مع المنهج الإسلامي في عمومه. ويمكن دراسته مع حسن الاختيار.

<<  <   >  >>