للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مصادر المعرفة]

[مدخل]

...

[مصادر المعرفة]

الألوهية والوحي:

الوحي هو المصدر الأول للمعرفة، وتختلف المناهج التربوية باختلاف تصورها للألوهية والوحي، فحقيقة الألوهية حقيقة إيجابية فاعلة في الكون والإنسان، "فالتصور الإسلامي" يبدأ من الحقيقة الإلهية التي يصدر عنها الوجود كله، ثم يسير مع هذا الوجود في كل صوره وأشكاله وكائناته وموجوداته، ويعنى عناية خاصة بالإنسان -خليفة الله في الأرض- فيعطيه مساحة واسعة من الصورة، ثم يعود بالوجود كله مرة أخرى إلى الحقيقة الإلهية التي صدر عنها وإليها يعود.

والتصور الإسلامي "في هذه الجولة الواسعة من الله وإليه، يشمل كل دقائق الكون، لا يغادر منها شيئا يقع في محيطه، سواء منها ما تدركه الحواس وما لا تدركه، وما تدركه الروح فيما وراء الوعي. ويشمل كل نشاط الإنسان وكل طاقاته. سواء نشاطه المادي ونشاطه الروحي، وسواء حياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وسواء عمله في الحياة الدنيا وفيما وراء هذه الحياة"١.

أما الحقيقة الإلهية في الفكر الأفلاطوني والأرسطي فأمرها غريب، فإله أفلاطون وإله أرسطو لا عمل لهما ولا إرادة، وإذا كان أرسطو يرى أن من كمال إلهه ألا يشعر إلا بذاته، وألا يفكر إلا في ذاته، فإن أفلاطون يزعم أن من كمال إلهه ألا يشعر حتى بذاته، لأنه يتنزه عن ذلك الشعور!

وقد أثر هذا اللون من الفلسفة فيما يتصل بحقيقة الألوهية على المدارس الفكرية والتربوية التي أتت بعد أفلاطون وأرسطو. فتوماس الإكويني المتأثر بأرسطو، وهو أحد أبرز المؤسسين للفلسفة الواقعية المدرسية، قد شارك في إقامة هذه الفلسفة على الاعتراف بكل من الطبيعة، والقوة الخارقة للطبيعة ممثلة في الإله الذي خلق الوجود، فهذه الفلسفة ذات طبيعة ثنائية بين الإله والطبيعة. فلكل منهما صفات خاصة به, لا تنسب إلى الآخر, فالزمان والمكان والتغير والنمو من خصائص الحوادث الطبيعية، في حين أن الأزلية، وعدم التغير، وعدم التقيد بالزمان والمكان من خصائص الإله٢.

فإذا كانت وظيفته مناهج التربية -في التصور الإسلامي للحقيقة الإلهية- هي أن تغرس في المتعلم الإيمان بالله -ذاتا وصفات- والإيمان بمنهج الله للكون والإنسان والحياة، وأن توصل هذا المتعلم إلى درجة كماله التي تمكنه من الإسهام في تنفيذ منهج الله في الحياة -إذا كان ذلك كذلك في التصور الإسلامي، فإن سلبية الإله في التصور الأفلاطوني الأرسطي، والازدواجية بين الإله والطبيعة لدى تلاميذ


١ محمد قطب: منهج الفن الإسلامي، بيروت، دار الشروق، ١٤٠٣هـ-١٩٨٣م، ص١٦.
٢ علي أحمد مدكور: نظرية المناهج العامة، عمان، دار الفرقان، ١٩٩١، ص٣٣٣-٣٣٥.

<<  <   >  >>