للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٢٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ، لَاسْتَهَمُوا ; وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ، لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ; وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٦٢٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ) : أَيْ: لَوْ عَلِمُوا فَفِي الْمُضَارِعِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بَالِ (مَا فِي النِّدَاءِ) : أَيِ: التَّأْذِينِ وَالْإِقَامَةِ مِنَ الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ. أُطْلِقَ مَفْعُولُ يَعْلَمُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْفَضِيلَةَ مَا هِيَ لِيُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعِبَارَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: ٧٨] وَكَذَا تَصْوِيرُهُ حَالَةَ الِاسْتِبَاقِ بِالِاسْتِهَامِ فِيهِ مُبَالَغَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي أَمْرٍ يُتَنَافَسُ فِيهِ، لَا سِيَّمَا إِخْرَاجُهُ مَخْرَجَ الْحَصْرِ " (وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) : وَهُوَ الَّذِي غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِصَفٍّ آخَرَ، فَيَشْمَلُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَ خَلْفَ الْكَعْبَةِ، بَلْ رُبَّمَا تَتَرَجَّحُ الْجِهَةُ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَوَّلُ عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُ أَوْ حَجَزَ بَيْنَهُمَا نَحْوَ سَارِيَةٍ أَوْ مِنْبَرٍ اهـ.

وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنِ النِّدَاءِ دَلَالَةً عَلَى تَهْيِيءِ الْمُقَدِّمَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْمُثُولُ وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) : أَيْ: لِلتَّمَكُّنِ مِنَ النِّدَاءِ وَالصَّفِّ (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) : أَيْ: بِأَنْ يَقْتَرِعُوا (عَلَيْهِ) : أَيْ: عَلَى السَّبْقِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِهَامُ: الِاقْتِرَاعُ. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا سِهَامٌ يُكْتَبُ عَلَيْهَا الْأَسْمَاءُ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْهَا سَهْمٌ فَازَ بِالْحَظِّ الْمَقْسُومِ، وَالتَّقْدِيرُ: بِالِاسْتِهَامِ وَطَلَبِ السَّهْمَ بِالْقُرْعَةِ (لَاسْتَهَمُوا) : يَعْنِي لَتَنَازَعُوا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ، حَتَّى اخْتُصُّوا بِالنِّدَاءِ، وَأَخَذُوا الْمَوْضِعَ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِالْقُرْعَةِ، وَأَتَى بِثُمَّ الْمُؤْذِنَةِ بِتَرَاخِي رُتْبَةِ الِاسْتِبَاقِ عَنِ الْعِلْمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ الْإِقَامَةَ، عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَا بَعْدَهُ أَيْ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي حُضُورِ الْإِقَامَةِ وَتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَالْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَثُمَّ هُنَا لِلْإِشْعَارِ بِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَبُعْدِ النَّاسِ عَنْهُ (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) : أَيْ: فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَةِ مِنَ الْفَضِيلَةِ وَالْكَرَامَةِ (لَاسْتَبَقُوا) : أَيْ: لَبَادَرُوا (إِلَيْهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ عَقِبَهُ بِالتَّرْغِيبِ فِي إِدْرَاكِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَكَذَا وَجَبَ أَنْ يُفَسَّرَ التَّهْجِيرُ بِالتَّبْكِيرِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَثِيرُونَ فِي النِّهَايَةِ، التَّهْجِيرُ: التَّبْكِيرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ، وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ أَرَادَ الْمُبَادَرَةَ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ اهـ.

وَقِيلَ: التَّهْجِيرُ: السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَإِلَى صَلَّاةِ الْجُمُعَةِ، وَفَسَّرَهُ الْأَكْثَرُونَ بِالتَّبْكِيرِ، أَيِ: الْمُضِيِّ إِلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَالَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً» ) قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقَالُ: الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ يُنَافِي الْأَمْرَ بِالتَّهْجِيرِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ بِالظَّهِيرِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ سُنَّةٌ، وَالْإِبْرَادُ رُخْصَةٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوِ الْإِبْرَادُ تَأْخِيرٌ قَلِيلٌ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنِ التَّهْجِيرِ، فَإِنَّ الْهَاجِرَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ إِلَى أَنْ يَقْرُبَ الْعَصْرُ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) : أَيْ: صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ (وَالصُّبْحِ) : أَيْ: صَلَاتِهَا، وَخُصَّتَا، لِأَنَّهُمَا وَقْتُ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَالْكَسَلِ عَنِ الْعِبَادَةِ، فَحَثَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ التَّفْوِيتِ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) : أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْإِتْيَانُ حَبْوًا أَيْ: زَحْفًا وَهُوَ مَشْيُ الصَّبِيِّ عَلَى أَرْبَعٍ، أَوْ دُبَيْبَةٌ عَلَى اسْتِهِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ كَانُوا حَابِينَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَهُ مِيرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>