للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٣٣ - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «عَجَبٌ لِلْمُؤْمِنِ! إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ وَشَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ، وَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.

ــ

١٧٣٣ - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبٌ) أَيْ: غَرِيبٌ، وَشَأْنٌ عَجِيبٌ. (لِلْمُؤْمِنِ) أَيِ: الْكَامِلِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ طُوبَى لَهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُهُ أَعْجَبُ عَجَبًا، فَعُدِلَ مِنَ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ لِلثَّبَاتِ كَقَوْلِكَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قِيلَ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ سَلَامُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: ٦٩] أَبْلَغُ مِنْ سَلَامِ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْعَجَبَ بِقَوْلِهِ: (إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ) أَيْ: أَثْنَى عَلَيْهِ بِأَوْصَافِ الْجَمَالِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. (وَشَكَرَ) عَلَى نِعْمَةِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ. (وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ) أَيْ: بَلِيَّةٌ وَمِحْنَةٌ. (حَمِدَ اللَّهَ) بِأَوْصَافِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالِ. (وَصَبَرَ) عَلَى حُكْمِ رَبِّهِ الْمُتَعَالِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ نِصْفُهُ صَبْرٌ وَنِصْفُهُ شُكْرٌ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: ٥] وَفِي تَقْدِيمِ الشُّكْرِ فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ عَلَى كَثْرَةِ النَّعِيمِ وَسَبْقَتِهَا، وَفِي تَقَدُّمِ الصَّبْرِ فِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى قُوَّةِ احْتِيَاجِ الْعَبْدِ إِلَى الصَّبْرِ ; فَإِنَّهُ عَلَى أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ: صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَصَبْرٌ فِي الْمُصِيبَةِ، وَفِي إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ نُكْتَةٌ خَفِيَّةٌ، رَمَزَ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللَّهِ، يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَالتَّسْلِيمُ أَسْلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قَوْلُهُ: إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ عِنْدَهَا لِعِلْمِهِ بِمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ، وَالثَّوَابُ نِعْمَةٌ، فَحَمْدُ اللَّهِ لِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ مَحْمُودٌ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ حَمِدَهُ عَلَى سَائِرِ نِعَمِهِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤] أَوْ حَمِدَ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَةَ لَيْسَتْ فِي دِينِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَا وَقَعَ أَكْبَرُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا: وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيٍّ يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

قَالَ الْمُظْهِرُ: وَتَحَقُّقُ الْحَمْدِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ عَلَيْهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَوْضِيحُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: فَإِنْ مُسَّ بِالنَّعْمَاءِ عَمَّ سُرُورُهَا وَإِنْ مُسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهُ الْأَجْرُ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَمْدِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] اهـ. وَمَا أَبْعَدَ ابْنَ حَجَرٍ عَنِ التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْمُرَادِفِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الشُّكْرَ أَخَصُّ مِنَ الْحَمْدِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. (فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ) بِالْهَمْزِ وَيُبْدَلُ فِيهَا أَيِ: الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ يُثَابُ. (فِي كُلِّ أَمْرِهِ) أَيْ: شَأْنِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى فِي أُمُورِ الْمُبَاحِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا الْخَيْرُ، فَالْمُبَاحُ يَنْقَلِبُ خَيْرًا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ. ( «حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِهِ» ) أَيْ: فَمِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، يَعْنِي إِذَا أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ فَحَمِدَ أُجِرَ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَصَبَرَ أُجِرَ، فَهُوَ مَأْجُورٌ فِي كُلِّ أُمُورِهِ، حَتَّى فِي الشَّهْوَانِيَّةِ بِبَرَكَةِ إِيمَانِهِ، وَإِذَا قَصَدَ بِالنَّوْمِ زَوَالَ التَّعَبِ لِلْقِيَامِ إِلَى الْعِبَادَةِ عَنْ نَشَاطٍ كَانَ النَّوْمُ طَاعَةً، وَعَلَى هَذَا الْأَكْلُ وَجَمِيعُ الْمُبَاحَاتِ، قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: نَوْمُ الْعَالِمِ عِبَادَةٌ. وَقَوْلُهُ آخَرِينَ: نَوْمُ الظَّالِمِ عِبَادَةٌ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، يَرْفَعُهُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ: كَيْفَ يَكُونُ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ ثِقَةٌ؟ ! اهـ. أَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَنْصَفَ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُخَرِّجُ حَدِيثَهُ فِي كُتُبِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَالَهِ، تَمَّ كَلَامُ مَيْرَكَ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ وَلَعَلَّ حُضُورَهُ مَعَ الْعَسْكَرِ كَانَ بِإِكْرَاهٍ، أَوْ رُبَّمَا حَسُنَ حَالُهُ وَطَابَ مَآلُهُ، وَمَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ صُدُورِ مَعْصِيَةٍ عَنْهُ، وَمِنْ ظُهُورِ ذِلَّةٍ مِنْهُ؟ فَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ، لَا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ صِحَّتُهُ، مَبْنًى وَمَعْنًى، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ دِينًا وَلَا دُنْيَا حَتَّى يُتَفَحَّصَ عَنِ الرُّوَاةِ، وَلَا يُقْبَلَ إِلَّا مِنَ الثِّقَاتِ، وَإِذَا أَغْمَضُوا عَنِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إِذَا كَانَ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ، مَعَ أَنَّ رِجَالَ الصَّحِيحَيْنِ قَدْ يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ خَارِجِيٌّ أَوْ رَافِضِيٌّ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَوْا فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ مَنْ يَعْتَقِدُ حَلَّ الْكَذِبِ لِنُصْرَةِ مَقَالَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>