للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ مِنَ الصَّغَائِرِ وَيُرْجَى لَهُ عَفْوُ الْكَبَائِرِ " «وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ» " أَيْ لَيَالِيَهُ أَوْ مُعْظَمَهَا، أَوْ بَعْضَ كُلِّ لَيْلَةٍ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا، مِنَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: غَيْرَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، تَقْدِيرًا، أَيْ لِمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهَا تَحْرِيرًا، أَوْ مَعْنَاهُ أَدَّى التَّرَاوِيحَ فِيهَا " «إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» " سَوَاءٌ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَا " إِيمَانًا " أَيْ بِوُجُودِهَا " وَاحْتِسَابًا " لِثَوَابِهَا عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - " غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّ الْمُكَفِّرَاتِ إِنْ صَادَفَتِ السَّيِّئَاتِ تَمْحُوهَا إِذَا كَانَتْ صَغَائِرَ، وَتُخَفِّفُهَا إِذَا كَانَتْ كَبَائِرَ، وَإِلَّا تَكُونُ مُوجِبَةً لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّاتِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: رَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ الْغُفْرَانُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ نَتِيجَةُ الْفُتُوحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَمُسْتَتْبَعٌ لِلْعَوَاطِفِ الرَّبَّانِيَّةِ قَالَ - تَعَالَى - {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: ١ - ٢] الْآيَةَ، وَفَى أَصْلِ الْمَالِكِيِّ: مَنْ يَقُمْ، قَالَ: وَقَعَ الشَّرْطُ مُضَارِعًا وَالْجَوَابُ مَاضِيًا لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ أَسِيفٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ، وَالنَّحْوِيُّونَ يَسْتَضْعِفُونَ ذَلِكَ وَيَرَاهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالضَّرُورَةِ، وَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، لِثُبُوتِهِ فِي كَلَامِ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ، وَكَثْرَةِ صُدُورِهِ عَنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، أَقُولُ: نَحْوُهُ فِي التَّنْزِيلِ {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} [الأنعام: ١٦] وَ {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: ١٩٢] وَ {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْأَمَالِي: جَوَابُ الشَّرْطِ " فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا " مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ، كَقَوْلِهِمْ: إِنْ تُكْرِمْنِي الْيَوْمَ فَقَدْ أَكْرَمْتُكَ أَمْسِ، فَالْإِكْرَامُ الْمَذْكُورُ شَرْطٌ وَسَبَبٌ لِلْإِخْبَارِ بِالْإِكْرَامِ الْوَاقِعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، لَا نَفْسُ الْإِكْرَامِ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْجَوَابُ فِي الْآيَةِ أَيْ: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ يَكُنْ سَبَبًا لِذِكْرِ هَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، وَصَاحِبُ الْمِفْتَاحِ أَوَّلَ الْمِثَالَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَعْتَدَّ بِإِكْرَامِكَ لِيَ الْآنَ فَأَعْتَدَّ بِإِكْرَامِي إِيَّاكَ أَمْسِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ: مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَلْيَحْتَسِبْ قِيَامَهُ، وَلِيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بِغُفْرَانِهِ قَبْلُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>