للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٨٨ - وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: «سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ، لَا شُعَاعَ لَهَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٢٠٨٨ - (وَعَنْ زِرِّ) بِكَسْرِ الزَّاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنِ حُبَيْشٍ) مُصَغَّرًا (قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ) أَيْ أَرَدْتُ سُؤَالَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَوْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ) وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَقُلْتُ بَدَلٌ مِنْ سَأَلْتُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُودِ الْفَاءِ، عَلَى خِلَافٍ فِي جَوَازِ بَدَلِ الْفِعْلِ، ثُمَّ مِنَ الْقَرِيبِ أَنَّهُ قَالَ: وَعَجِيبٌ مِنْ قَوْلِ شَارِحِ الْمَعْنَى أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ فَقُلْتُ عَلَى حَدِّ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: ٩٨] إِذْ لَا حَاجَةَ لَمَّا قَدَّرَهُ، وَلَيْسَتِ الْآيَةُ نَظِيرَةً لِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْهُ، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ قَوْلَهُ - تَعَالَى - {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: ٢٠٤] وَاللَّهُ أَعْلَمُ (إِنَّ أَخَاكَ) أَيْ فِي الدِّينِ وَالصُّحْبَةِ (ابْنَ مَسْعُودٍ) بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ (يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ) أَيْ مَنْ يَقُمْ لِلطَّاعَةِ فِي بَعْضِ سَاعَاتِ كُلِّ لَيَالِي السَّنَةِ (يُصِبْ) أَيْ يُدْرِكْ (لَيْلَةَ الْقَدْرِ) أَيْ يَقِينًا لِلْإِبْهَامِ فِي تَبْيِينِهَا، وَلِلِاخْتِلَافِ فِي تَعْيِينِهَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عَنْ إِمَامِنَا، إِذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ فَضْلًا عَنْ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ، فَضْلًا عَنْ أَوْتَارِهِ، فَضْلًا عَنْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ (فَقَالَ) أَيْ أُبَيٌّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) دُعَاءٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ (أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ) أَيْ لَا يَعْتَمِدُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ الَّذِي مَبْنَى الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُوا إِلَّا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَيَتْرُكُوا قِيَامَ سَائِرِ اللَّيَالِي، فَيَفُوتُ حِكْمَةُ الْإِبْهَامِ الَّذِي نَسِيَ سَبَبَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَمَا) التَّخْفِيفُ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) بِالْكَسْرِ أَيِ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوَّلًا (قَدْ عَلِمَ) بِطَرِيقِ الظَّنِّ، وَلَفْظُهُ أَمَا إِنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ (أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ) أَيْ مُجْمَلًا (وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) أَيْ غَالِبًا (وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ عَلَى الْأَغْلَبِ (ثُمَّ حَلَفَ) أَيْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ بِنَاءً عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ (لَا يَسْتَثْنِي) حَالٌ أَيْ حَلَفَ حَلِفًا حَازِمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ عُقَيْبَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْحَالِفُ: لَأَفْعَلَنَّ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، وَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ جَزْمُ الْحَالِفِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يُقَالُ حَلَفَ فُلَانٌ يَمِينًا لَيْسَ فِيهَا ثَنْيٌ وَلَا ثَنْوٌ وَلَا ثَنْيَةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءٌ كُلُّهَا وَاحِدٌ وَأَصْلُهَا مِنَ الثَّنْيِ وَهُوَ الْكَفُّ وَالرَّدُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ غَيْرَهُ، فَقَدْ رَدَّ انْعِقَادَ ذَلِكَ الْيَمِينِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَزَمَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِلَيْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَحَمَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْعُمُومِ مَعَ إِرَادَةِ الْخُصُوصِ، فَهَلْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فَإِنَّ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ تَنَافِيًا؟ قُلْتُ: لَا، إِذَا ذَهَبَ إِلَى التَّعْرِيضِ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَارَّةَ أُخْتِي تَعْرِيضًا بِأَنَّهَا أُخْتُهُ فِي الدِّينِ اهـ وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ التَّعْرِيضِ فَتَعْرِضُ لِمَا عَرَضْنَا (إِنَّهَا) مَفْعُولُ حَلَفَ أَيْ إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ) أَيْ لَهُ (بِأَيِّ شَيْءٍ) مِنَ الْأَدِلَّةِ (تَقُولُ ذَلِكَ) أَيِ الْقَوْلَ (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟) كُنْيَةٌ لِكَعْبٍ (قَالَ: بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالْآيَةِ) أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ بِالْأَمَارَةِ (الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ أَيْ أَنَّ الشَّمْسَ (تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ إِذٍ تَكُونُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ: أَنَّهَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْبَيْضَاءُ فَضَمِيرُ أَنَّهَا لِلْقِصَّةِ (لَا شُعَاعَ لَهَا) وَهَذَا دَلِيلٌ أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ عَلَى مَا قُلْنَا إِنَّ عِلْمَهُ ظَنِّيٌّ لَا قَطْعِيٌّ حَيْثُ بَنَى اجْتِهَادَهُ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ لَا شُعَاعَ لَهَا، وَقَدْ رَأَيْتُهَا صَبِيحَةَ لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ طَلَعَتْ كَذَلِكَ، إِذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا إِلَّا بِانْضِمَامِهِ إِلَى كَلَامِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالشُّعَاعُ هُوَ مَا يُرَى مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ عِنْدَ حُدُورِهَا مِثْلُ الْجِبَالِ وَالْقُضْبَانُ مُقْبِلَةٌ إِلَيْكَ كُلَّمَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا، قِيلَ: مَعْنَى لَا شُعَاعَ لَهَا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهَا وَتَرَدُّدِهَا فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إِلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا تَسْتُرُ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْأَجْسَامَ اللَّطِيفَةَ لَا تَسْتُرُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيفَةِ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ: غَلَبَ نُورُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ الزَّمَانِيَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ أَنْوَارِهَا الرَّبَّانِيَّةِ لَكَانَ وَجْهًا وَجِيهًا وَتَنْبِيهًا نَبِيهًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفَائِدَةُ كَوْنِ هَذَا عَلَّامَةً مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ يُسَنُّ إِحْيَاءُ يَوْمِهَا كَمَا يُسَنُّ إِحْيَاءُ لَيْلِهَا اهـ وَفِي قَوْلِهِ: يُسَنُّ إِحْيَاءُ يَوْمِهَا نَظَرٌ يَحْتَاجُ إِلَى أَثَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَائِدَةَ الْعَلَامَةِ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى حُصُولِ تِلْكَ النِّعْمَةِ إِنْ قَامَ بِخِدْمَةِ اللَّيْلَةِ، وَإِلَّا فَيَتَأَسَّفُ عَلَى مَا قَالَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَيَتَدَارَكُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَامَةً فِي أَوَّلِ لَيْلِهَا إِبْقَاءً لَهَا عَلَى إِبْهَامِهَا، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>