للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طِيبِ حَالِهِ وَحُسْنِ مَآلِهِ، فَيَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِلْجَوَابِ بِبَلَاغَةِ مَقَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنَّمَا عَدَلَ فِي الْجَوَابِ إِلَى أَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَى حَالِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنْ سَعَادَتِهِ فِي الدَّارَيْنِ إِذَا طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ، بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا. اهـ.

وَإِذَا فَتَّشْتَ هَذَا الْكَلَامَ تَرَى هَبَاءً مَنْثُورًا بِلَا بَقَاءٍ وَنِظَامٍ، ثُمَّ خَطَرَ بِبَالِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّهُ زَادَ كَلِمَةَ (طُوبَى) لِتَكُونَ كَلِمَةً جَامِعَةً، وَحِكْمَةً رَابِعَةً مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ تَابِعَةٍ لِلسُّؤَالِ الْمَانِعِ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ الْوُرُودِ. (قَالَ: يَا رَسُولَ اللِّهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ) : الْوَاوُ لِلْحَالِيَّةِ (رَطْبٌ) : أَيْ: قَرِيبُ الْعَهْدِ أَوْ مُتَحَرِّكٌ طَرِيٌّ (مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) : وَالذِّكْرُ يَشْمَلُ الْجَلِيَّ وَالْخَفِيَّ، وَاللِّسَانُ يَحْتَمِلُ الْقَلْبِيَّ وَالْقَالَبِيَّ، وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، بَلْ هُوَ أَدْعَى إِلَى مَقَامِ الْجَمْعِ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ مَا يُخْتَمُ بِهِ الْأَحْوَالُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِمُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَبِرَطْبِ اللِّسَانِ بَلِ الْقَلْبِ بِذِكْرِ الْمَوْلَى، فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَتَرَشَّحُ بِمَا فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ ذِكْرَهُ بِفِيهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: رُطُوبَةُ اللِّسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ سُهُولَةِ جَرَيَانِهِ، كَمَا أَنَّ يُبْسَهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَسُهُولَةُ الْجَرَيَانِ بِالْمُدَاوَمَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مُدَاوَمَةُ الذِّكْرِ، فَإِنَّ الذِّكْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ وَسَائِلُ إِلَيْهِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ) .

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: آخِرُ كَلَامٍ فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قُلْتُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: ( «أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» ) وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوْصِنِي. قَالَ: ( «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ، وَمَا عَمِلْتَ مِنْ سُوءٍ فَأَحْدِثْ لِلَّهِ فِيهِ تَوْبَةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» ) اهـ. قَالَ مِيرَكُ: وَكَانَ هَذَا حِينَ أَرْسَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِمًا إِلَى الْيَمَنِ فِي آخِرِ وَدَاعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>