للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ) أَيْ: كُلُّ كَافِرٍ (مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَيُكْسَرُ (مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ) : أَيْ مِنَ الْكَافِرِينَ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمَلَكِ بِقَوْلِهِ: إِذَا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ مَعَ (إِنْ) الشَّرْطِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةِ الْوُقُوعِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَدِيثُ فِي بَيَانِ صِفَتَيِ الْقَهْرِ وَالرَّحْمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ; فَكَمَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ لَا يَبْلُغُ كُنْهَ مَعْرِفَتِهَا أَحَدٌ، كَذَلِكَ عُقُوبَتَهُ وَرَحْمَتَهُ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَقَفَ عَلَى كُنْهِ صِفَتِهِ الْقَهَّارِيَّةِ لَظَهَرَ مِنْهَا مَا يُقَنِّطُ مِنْ تِلْكَ الْخَوَاطِرِ فَلَا يَطْمَعُ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَهَذَا مَعْنَى وَضْعِ أَحَدٍ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُؤْمِنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُؤْمِنَ الْجِنْسُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ ; فَالتَّقْدِيرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدِ اخْتُصَّ لِأَنْ يَطْمَعَ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَفَى الطَّمَعُ مِنْهُ فَقَدِ انْتَفَى عَنِ الْكُلِّ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ مُخْتَصٌّ بِالْقُنُوطِ فَإِذَا انْتَفَى الْقُنُوطُ عَنْهُ فَقَدِ انْتَفَى عَنِ الْكُلِّ، وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِي بَيَانِ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ كَيْلَا يَغْتَرَّ مُؤْمِنٌ بِرَحْمَتِهِ فَيَأْمَنَ مِنْ عَذَابِهِ، وَلَا يَيْأَسَ كَافِرٌ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَتْرُكَ بَابَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ بِمُطَالَعَةِ صِفَاتِ الْجَمَالِ تَارَةً، وَبِمُلَاحَظَةِ نُعُوتِ الْجَلَالِ أُخْرَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَوْ نُودِيَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا، وَكَذَا فِي النَّارِ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَلِّبَ الْخَوْفَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالرَّجَاءَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>