للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَوَّلُونَ (إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ) : بِالنَّصْبِ وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ (يَقْظَانُ) : غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ لِمَجِيءِ فَعْلَانَةَ مِنْهُ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: يَقْظَانُ مُنْصَرِفٌ لِمَجِيءِ فَعْلَانَةَ، لَكِنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ " الْمَصَابِيحِ " عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ يَعْنِي فَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِمَّا تَقُولُونَ، فَإِنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَدَارِكِ الْبَاطِنِيَّةِ دُونَ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرِيَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذِهِ مُنَاظَرَةٌ جَرَتْ بَيْنَهُمْ بَيَانًا وَتَحْقِيقًا لِمَا أَنَّ النُّفُوسَ الْقُدْسِيَّةَ لَا يَضْعُفُ إِدْرَاكُهَا بِضَعْفِ الْحَوَاسِّ أَيْ الْحِسِّيَّةِ لِاسْتِرَاحَةِ الْقُوَى الْبَدَنِيَّةِ، بَلْ رُبَّمَا يَقْوَى إِدْرَاكُهَا عِنْدَ ضَعْفِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الصُّوفِيَّةِ (فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ) ، أَيْ: عَظِيمٍ كَرِيمٍ (بَنَى دَارًا) : يَعْنِي قِصَّتُهُ كَهَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ آخِرِهَا، لَا أَنَّ حَالَهُ كَحَالِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّاعِي لَا الْبَانِي، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، وَيُقَالَ: كَمَثَلِ دَاعِي رَجُلٍ بَنَى دَارًا (وَجَعَلَ) ، أَيِ: الْبَانِي (فِيهَا) ، أَيْ: فِي الدَّارِ (مَأْدُبَةً) : بِضَمِّ الدَّالِ وَتُفْتَحُ، طَعَامٌ عَامٌّ يُدْعَى النَّاسُ إِلَيْهِ كَالْوَلِيمَةِ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْأَدَبِ وَهُوَ الدُّعَاءُ إِلَى طَعَامٍ كَالْمَعْتَبَةِ. بِمَعْنَى الْعَتَبَةِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ (وَبَعَثَ دَاعِيًا) : يَدْعُو النَّاسَ إِكْرَامًا لَهُمْ (إِلَيْهَا) ، أَيْ: إِلَى مَا يُوصِلُ إِلَيْهَا إِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: ١٩٣] (فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ) ، أَيْ: قَبِلَ دُعَاءَهُ (دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ) : عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ وَتَمَامِ الْإِنْعَامِ (وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ) : بَلْ طُرِدَ مِنَ الْبَابِ وَحُرِمَ مِنَ الثَّوَابِ وَاسْتَحَقَّ الْعِقَابَ (فَقَالُوا) ، أَيْ: فَقَالَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِبَعْضٍ (أَوِّلُوهَا لَهُ) ، أَيْ: فَسِّرُوا الْحِكَايَةَ التَّمْثِيلِيَّةَ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوَّلَ تَأْوِيلًا إِذَا فُسِّرَ. بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ (يَفْقَهْهَا) : بِالْجَزْمِ جَوَابُ الْأَمْرِ أَيْ يَفْهَمْهَا ثُمَّ يَفْهَمْهَا (قَالَ بَعْضُهُمْ) : بِاعْتِبَارِ مَا فِي ظَنِّهِ (إِنَّهُ نَائِمٌ) : فَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ) ، أَيْ: عَيْنَهُ (نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ) ، أَيْ: قَلْبَهُ (يَقْظَانُ) : فَيُدْرِكُ الْبَيَانَ وَكَرَّرُوا هَذَا لِيُنَبَّهَ السَّامِعُونَ إِلَى هَذِهِ الْمَنْقَبَةِ الْعَظِيمَةِ، وَهِيَ نَوْمُ الْعَيْنِ وَيَقَظَةُ الْقَلْبِ (فَقَالُوا: الدَّارُ) : أَيْ مِثْلُهَا (الْجَنَّةُ) ، أَيْ: نَفْسُهَا فَإِنَّهَا دَارُ الْمُتَّقِينَ كَمَا فِي الْقُرْآنِ الْمُبِينِ، وَالْمَأْدُبَةُ نَعِيمُهَا وَتَرَكَ بَيَانَهَا لِظُهُورِهَا، وَقِيلَ: لِاشْتِمَالِ الْجَنَّةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا دَارُ الْمَأْدُبَةِ (وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ) : قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: ٤٦] (فَمَنْ أَطَاعَ) : الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: لَمَّا كَانَ هُوَ الدَّاعِي فَمَنْ أَطَاعَ (مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: رُوعِيَ فِي التَّأْوِيلِ حُسْنُ أَدَبٍ حَيْثُ لَمْ يُصَرَّحُ بِالْمُشَبَّهِ بِالرَّجُلِ، لَكِنْ لَمَّحَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا) : أَظْهَرَ الضَّمِيرَ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ وَحَمْدِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهِ يَنْدَفِعُ وَهْمُ الرُّجُوعِ إِلَى غَيْرِهِ (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ) . رُوِيَ مُشَدَّدًا عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ وَمُخَفَّفًا عَلَى الْمَصْدَرِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: فَارِقٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالصَّالِحِ وَالْفَاسِقِ، وَقَالَ مِيرَكُ شَاهْ: كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالتَّنْوِينِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>