للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سِرْنَ فِيهَا مَسَافَةً لَيَالِيَ، فَلَمَّا وَصَلْنَ إِلَى الْمَنْزِلِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا هَذَا الْإِبِلُ، لَكِنْ قَبِلْتُ شَفَاعَتَكَ فَقَالَ: إِذًا تَأْمُرُهُ أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ حُدَيَّاتِهِ وَهُنَيَّاتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَلَمَّا أَبْدَى بَعْضَ الْكَلِمَاتِ قَامَتِ الْإِبِلُ وَنَفَرَتْ وَحْشِيَّةً إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَقَامَ الرَّجُلُ مَجْنُونًا أَوْ مَجْذُوبًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ فِي الْبَيْدَاءِ. (يُقَالُ لَهُ) أَيْ: لِلْحَادِي (أَنْجَشَةُ) : بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَجِيمٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: هُوَ غُلَامٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَشِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مَارِيَةَ (وَكَانَ) أَيْ: أَنْجَشَةُ (حَسَنَ الصَّوْتِ) أَيْ: وَكَانَ يَحْدُو إِبِلَ بَعْضِ النِّسَاءِ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُوَيْدَكَ) أَيْ: أَمْهِلْ إِمْهَالَكَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: ١٧] ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّرِ، وَالْكَافُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، وَقِيلَ اسْمُ فِعْلٍ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ. ( «يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» ) : بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، وَالْقَوَارِيرُ جَمْعُ قَارُورَةٍ سُمِّيَتْ بِهَا لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَابِ فِيهَا، وَهِيَ الزُّجَاجَةُ كُنِّيَ بِهَا عَنِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِنَّ مِنَ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ وَضَعْفِ الْبِنْيَةِ، أَمْرَهُ أَنْ يَغُضَّ مِنْ صَوْتِهِ الْحَسَنِ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ مِنْ قُلُوبِهِنَّ مَوْقِعًا لِضَعْفِ عَزَائِمِهِنَّ وَسُرْعَةِ ثَائِرِهِنَّ كَسُرْعَةِ الْكَسْرِ إِلَى الْقَوَارِيرِ. وَفِي النِّهَايَةِ: شُبِّهْنَ بِالْقَوَارِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْرُعُ إِلَيْهَا الْكَسْرُ، وَكَانَ أَنْجَشَةُ يَحْدُو وَيُنْشِدُ الْقَرِيضَ وَالرَّجْزَ، فَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَوْ يَقَعَ فِي قُلُوبِهِنَّ حِدَاؤُهُ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي الْمَثَلِ: الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا سَمِعَتِ الْحِدَاءَ أَسْرَعَتْ فِي الْمَشْيِ وَاشْتَدَّتْ، فَأَزْعَجَتِ الرَّاكِبَ وَأَتْعَبَتْهُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ شِدَّةِ الْحَرَكَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا الْمَعْنَى أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّهُ نَاشِئٌ عَنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَذَاكَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ. (قَالَ قَتَادَةُ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ. (يَعْنِي) أَيْ: يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالْقَوَارِيرِ ضَعْفَةَ النِّسَاءِ) : وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>