للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زَائِدَةٌ ; وَقَوْلُهُ: " أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ " خَبَرُهُ أَيْ: حَسْبُهُ وَكَافِيهِ مِنْ خِلَالِ الشَّرِّ وَرَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ تَحْقِيرُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: (يَحْقِرُ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ فِي الْأُصُولِ.

قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَحَسْبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّثْنِيَةُ، وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ. قَالَ النُّحَاةُ: إِذَا كَانَ مَا بَعْدَهُ مَعْرِفَةً فَرَفْعُهُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَالْإِضَافَةُ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فَرَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ فَقَطْ، وَالْإِضَافَةُ مَعْنَوِيَّةٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْعِرْضِ مَا يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ شَرْعًا حِمَايَتُهُ لَا الْعَصَبِيَّةُ وَالْحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةُ الَّتِي اعْتَادَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَصْرِفُونَ النَّاسَ لِطَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، إِذْ هُوَ مِنَ الْهَوَى الْمُتَّبَعِ الْمُهْلِكِ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَمَا أَهْلَكَ النَّاسَ إِلَّا النَّاسُ، وَلَوْ أَنْصَفَ الْعُلَمَاءُ لَعَلِمُوا أَنَّ أَكْثَرَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْعِبَادَاتِ فَضْلًا عَنِ الْعِبَادَاتِ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهَا إِلَّا مُرَاعَاةُ الْخَلْقِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: الرِّيَاسَةُ مَيَادِينُ إِبْلِيسَ يَنْزِلُ هُوَ وَجُنُودُهُ، وَقِيلَ: آخِرُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الصِّدِّيقِينَ مَحَبَّةُ الْجَاهِ، هَذَا وَزُبْدَةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَقَعَ فِي عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ وَالطَّعْنِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَالْغَمْزِ وَاللَّمْزِ وَالتَّجَسُّسِ عَنْ عَوْرَاتِهِ وَإِفْشَاءِ أَسْرَارِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَيَفْضَحُهُ، وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ، وَلَا يُمَارِيهِ، وَيَرَى الْفَضْلَ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ وَهُوَ قَدْ عَصَى، وَالْكَبِيرُ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عِبَادَةً، وَالْعَالِمُ لِعِلْمِهِ، وَالْجَاهِلُ لِأَنَّهُ قَدْ عَصَى اللَّهَ بِجَهْلِهِ، فَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْعَالِمِ أَوْكَدُ، وَلِذَا وَرَدَ: وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً، وَوَيْلٌ لِلْعَالَمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْمَدَارُ عَلَى خَاتِمَتِهَا. خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِالْحُسْنَى وَبَلَّغَنَا الْمَقَامَ الْأَسْنَى (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَهُوَ أَيْضًا بَعْضٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ، وَأَسْنَدَهُ إِلَى مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمٍ» " الْحَدِيثُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>