للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٤١ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رُبِطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٥٢٤١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ تَهَيَّأُوا لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْخُرُوجِ فِي السَّرَايَا لِقِتَالِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَاظِرَهُمْ وَنَقِيبَهُمْ وَمُتَفَقِّدَ حَالِهِمْ وَرَقِيبَهُمْ، وَكَانُوا يَأْوُونَ فِي صُفَّةٍ آخِرَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ نَزَلَ فِي حَقِّهِمْ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] أَيْ: أَصْلًا بَلْ كَانُوا مُتَوَكِّلِينَ وَمُتَقَنِّعِينَ بِالْتِقَاطِ النَّوَاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ جِهَةِ الزَّادِ لِلْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْكُسْوَةِ فَكَمَا بَيَّنَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ: (مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ) ، فَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ الثَّوْبُ أَوِ الْبُرْدُ الَّذِي يَضَعُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى عَاتِقِهِ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ فَوْقَ ثِيَابِهِ.

قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: فَوْقَ ثِيَابِهِ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا الرِّدَاءُ هُوَ الَّذِي يَسْتُرُ أَعَالِيَ الْبَدَنِ فَقَطْ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ) أَيْ: إِزَارٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَإِمَّا كِسَاءٌ وَاحِدٌ يَشْتَمِلُ بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (قَدْ رَبَطُوا) أَيْ: طَرَفَهُ (فِي أَعْنَاقِهِمْ) ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبٌ يَتَرَدَّى بِهِ، بَلْ كَانَ لَهُ إِمَّا إِزَارٌ فَحَسْبُ وَفِي الْعُدُولِ عَنْ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ إِلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ قَدْ رَبَطَهُ فِي عُنُقِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ حَالَ جَمِيعِهِمْ كَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، كَمَا يُفِيدُهُ تَنْكِيرُ رَجُلٍ وَاسْتِغْرَاقُ النَّفْيِ مَعَ زِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ بِزِيَادَةِ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: (فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ) : مَعَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْكِسَاءِ وَالْإِزَارِ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِيَّةِ فِي الْأَكْسِيَةِ وَالْأُزُرِ، أَوِ الْأَكْسِيَةِ وَحْدِهَا لِقُرْبِهَا وَلِمُقَايَسَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَلَهَا نَظَائِرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>