للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْعُلَمَاءُ الْأَعْلَامُ، فَيَقَعُونَ فِي اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّقَاتٌ بِالْمَعَازِفِ يَطُولُ بَيَانُهَا، فَأَعْرَضْتُ عَنْ تَفْصِيلِ شَأْنِهَا، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ فِي تِبْيَانِهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: ٦] وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ذَمِّ الْمَلَاهِي عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «لَيَكُونَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ وَذَلِكَ إِذَا شَرِبُوا الْخُمُورَ وَاتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ وَضَرَبُوا بِالْمَعَازِفِ» " أَيْ: إِذَا فَعَلُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحِلِّينَ لَهَا. (" وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ ") أَيْ: مِنْهُمْ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ (" إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ") أَيْ: جَبَلٍ (" يَرُوحُ ") أَيْ: يَسِيرُ (" عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ") أَيْ: مَاشِيَةٍ لَهُمْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: الصَّوَابُ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ بِسَارِحَةٍ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْفِعْلَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَقَعُ السَّيْرُ عَلَيْهَا بِسَيْرِ مَاشِيَةٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ فِي سَيْرِهِمْ تَابِعُونَ لِحَيَوَانَاتِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى الطِّبَاعِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَتَارِكُونَ مُتَابَعَةَ الْعُلَمَاءِ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النُّورَانِيَّةِ، وَلِذَا وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا أَوَّلًا، وَجَوَّزُوا عَلَى مَا فَعَلُوا آخِرًا، وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيُرٌ مَفْهُومٌ مِنَ السِّيَاقِ، أَيْ: يَأْتِيهِمْ رَاعِيهِمْ كُلَّ حِينٍ بِسَارِحَةٍ أَيْ مَاشِيَةٍ لَهُمْ تَسْرَحُ بِالْغُدْوَةِ يَنْتَفِعُونَ بِأَلْبَانِهَا وَأَوْبَارِهَا، (" يَأْتِيهِمْ رَجُلٌ لِحَاجَةٍ ") أَيْ: ضَرُورِيَّةٍ، وَإِلَّا فَهُمْ مُبْعَدُونَ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهُمُ النَّاسُ، أَوْ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ مِنَ الِاسْتِئْنَاسِ (" فَيَقُولُونَ ") أَيْ: تَعَلُّلًا أَوْ بُخْلًا وَتَذَلُّلًا (" ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا ") أَيْ: لِنَقْضِيَ حَاجَتَكَ، أَوْ لِنُؤَدِّيَ طَلَبَكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (" فَيُبَيِّتُهُمْ ") بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: يُعَذِّبُهُمْ (" اللَّهُ ") بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَدْهَى بِالْوَيْلِ (" وَيَضَعُ ") أَيْ: يُوقِعُ اللَّهُ وَيُسْقِطُ (" الْعَلَمَ ") ، أَيِ: الْجَبَلَ عَلَى بَعْضِهِمْ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (" وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ") أَيْ: وَيُحَوِّلُ صُوَرَ بَعْضِهِمْ إِلَى صُوَرِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، فَيَكُونُ نَصْبُهَا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ إِلَيْهِمَا، فَفِي الْقَامُوسِ: مَسَخَهُ كَمَنَعَهُ حَوَّلَ صُورَتَهُ إِلَى أُخْرَى، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ شَبَابَهُمْ صَارُوا قِرَدَةً، وَشُيُوخَهُمْ خَنَازِيرَ ; لِكَثْرَةِ ذُنُوبِ الْكِبَارِ وَتَخْفِيفِ أَمْرِ الصِّغَارِ، فَإِنَّ الْقِرْدَ يَبْقَى فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَصِنْفٌ مِنَ الْمُشَابَهَةِ بِالْجِنْسِ الْإِنْسَانِيِّ، وَقَوْلُهُ: (" إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ") إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَسْخَهُمُ امْتَدَّ إِلَى الْمَوْتِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَشْرُهُمْ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ، وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: «لَيَبِيتَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَكْلٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ ثُمَّ لَيُصْبِحُنَّ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ» .

(وَفِي بَعْضِ نُسَخِ " الْمَصَابِيحِ ": " الْحِرَّ " بِالْحَاءِ) أَيِ: الْمَكْسُورَةِ (وَالرَّاءِ) أَيِ: الْمُخَفَّفَةِ (الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ) أَيِ: الْمَفْتُوحَةِ (وَالزَّايِ) أَيِ: الْمُشَدَّدَةِ (الْمُعْجَمَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْحُمَيْدِيُّ) أَيِ: الْجَامِعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ (وَابْنُ الْأَثِيرِ) أَيْ: صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ (فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي كِتَابِ " الْحُمَيْدِيِّ " عَنِ الْبُخَارِيِّ) ، أَيْ: رِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا (وَكَذَا فِي " شَرْحِهِ ") أَيْ: شَرْحِ الْبُخَارِيِّ (لِلْخَطَّابِيِّ: " تَرُوحُ ") قِيلَ: بِالتَّأْنِيثِ، وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ، بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ، فَتَدَبَّرْ، (" عَلَيْهِمْ سَارِحَةٌ لَهُمْ ") أَيْ: بِغَيْرِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ (" يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ ") أَيْ: بِحَذْفِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَأْتِيهَا الْآتِي، أَوِ الْمُحْتَاجُ، أَوِ الرَّجُلُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: يَأْتِيهِمْ طَالِبُ حَاجَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ لِلشُّرَّاحِ هُنَا مَبَاحِثُ شَرِيفَةٌ وَأَجْوِبَةٌ لَطِيفَةٌ، مِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَرُ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْفَرْجُ، وَقَدْ صُحِّفَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كِتَابِ الْمَصَابِيحِ، وَكَذَلِكَ صَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَحَسِبُوهُ الْخَزَّ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَيْنِ، وَالْخَزُّ لَمْ يُحَرَّمْ حَتَّى يُسْتَحَلَّ، وَلَقَدْ وَجَدْتُ مِنَ النَّاسِ مَنِ اعْتَنَى بِخَطِّ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَحِفْظِهِ، فَقَدْ كَانَ قَيْدُهُ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَيْنِ، حَتَّى ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ صُحِّفَ، أَوِ اتَّبَعَ رِوَايَةَ بَعْضِ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>