للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٣٩٢ - وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: «أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: " اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ "، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٥٣٩٢ - (وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هَمْدَانِيٌّ بِسُكُونِ الْمِيمِ كُوفِيٌّ، كَانَ قَاضِي الرَّيِّ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، (قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: مِنْ ظُلْمِهِ، وَهُوَ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، رُوِيَ أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا سِوَى مَا قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ، (فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ ") أَيْ: غَالِبًا وَمِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (" حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ") ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْيَرُ وَأَشَرُّ أَصْلَانِ مَتْرُوكَانِ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلَانِ إِلَّا نَادِرًا، وَإِنَّمَا الْمُتَعَارَفُ فِي التَّفْضِيلِ خَيْرٌ وَشَرٌّ، وَفِي الْقَامُوسِ: هُوَ شَرُّ مِنْهُ وَأَشَرُّ مِنْهُ قَلِيلَةٌ أَوْ وَرْدِيَّةٌ، وَفِيهِ أَيْضًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْكَ كَخَيْرٍ اهـ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ اسْتِعْمَالَ أَخْيَرَ خَيْرٌ مِنِ اسْتِعْمَالِ أَشَرَّ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّ خَيْرَ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّفْضِيلِ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ أَخْيَرُ نَصًّا فِي الْمَقْصُودِ بِخِلَافٍ شَرٍّ، وَإِنَّمَا يُبَالَغُ فِيهِ بِإِتْيَانِ الْهَمْزِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سَمِعْتُهُ) أَيْ: قَوْلُهُ: اصْبِرُوا، الْخَ، وَالْأَظْهَرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ، الْخَ. (مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، قِيلَ: هَذَا الْإِطْلَاقُ يُشْكِلُ بِزَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ، وَبِزَمَنِ الْمَهْدِيِّ وَعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ فِي السُّوءِ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ إِلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ، وَأَمَّا زَمَانُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَهُ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ. وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ زَمَنَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسْتَثْنًى شَرْعًا مِنَ الْكَلَامِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَزْمِنَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأَشْرِبَةُ فِيهَا مَوْجُودَةً مِنْ حَيْثِيَّةٍ دُونَ حَيْثِيَّةٍ، وَبِاعْتِبَارٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، وَفِي أَمْرٍ دُونَ أَمْرٍ، مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ، وَحَالٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَغَيْرِهَا مِمَّا يَطُولُ تَفْصِيلُهَا، وَهَذَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبُعْدِ الْبُعْدِيَّةِ عَنْ زَمَانِ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْعِلِ الْمُنَوِّرِ لِلْعَالَمِ، فَكُلَّمَا أَبْعَدَ عَنْ قُرْبِهِ وَقَعَ فِي زِيَادَةِ ظَلَامٍ وَحَجَبَةٍ، وَقَدْ أَدْرَكَتِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - مَعَ كَمَالِ صَفَاءِ بَاطِنِهِمُ التَّغَيُّرَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ دَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْكِبَارِ: إِنِّي كُنْتُ فِي جَامِعِ شِيرَازَ مَشْغُولًا بِوِرْدِي فِي لَيْلٍ، إِذْ هَجَمَ عَلَيَّ الْخَاطِرُ، وَأَرَادَ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ دَاعٍ وَبَاعِثٍ لَهُ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مُلْتَصِقَةٌ بِجِدَارٍ، فَخَطَرَ لِي أَنَّهَا تُرِيدُ بَيْتَهَا وَتَخَافُ فِي طَرِيقِهَا مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ، فَذَكَرْتُ لَهَا ذَلِكَ، فَأَشَارَتْ إِلَيَّ بِأَنَّ نَعَمْ، فَتَقَدَّمْتُ عَلَيْهَا وَقُلْتُ لَهَا مَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَةِ شُعَيْبٍ: إِنْ أَخْطَأْتُ الطَّرِيقَ الْقَوِيمَ ارْمِي حَجَرًا يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَأَوْصَلْتُهَا إِلَى بَيْتِهَا وَرَجَعْتُ إِلَى حِزْبِي، وَلَمْ يَخْطُرْ لِي حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنَ الْخَطِرَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الرُّوحَانِيَّةِ، هَجَسَ فِي النَّفْسِ وَتَوَسْوَسَ فِي الْخَاطِرِ مِنَ الْأُمُورِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَتَأَمَّلْتُ أَنَّهُ هَلْ بَاعِثُ هَذَا تَغَيُّرٌ فِي مَأْكَلِي أَوْ مَشْرَبِي أَوْ مَلْبَسِي أَوْ فِي مَقْصِدِي لِعِبَادَتِي وَطَاعَتِي، أَوْ حُدُوثِ حَادِثٍ فِي صُحْبَةِ أَحِبَّتِي، أَوْ خِلْطَةِ ظَالِمٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَمَا رَأَيْتُ سَبَبًا لِظُهُورِ هَذِهِ الظُّلْمَةِ إِلَّا الْبُعْدَ عَنْ نُورِ زَمَانِ الْحَضْرَةِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ مِثْلِ هَذِهِ الْخَطَرَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

وَفِي الْجَامِعِ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ وَلَا يَوْمٌ إِلَّا وَالَّذِي بِعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالنِّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ عَامٍ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» " وَفِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ عَامٍ إِلَّا يَنْقُصُ الْخَيْرُ فِيهِ وَيَزِيدُ الشَّرُّ» ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا مِنْ عَامٍ إِلَّا وَيُحِدِثُ النَّاسُ بِدْعَةً وَيُمِيتُونَ سُنَّةً، حَتَّى تُمَاتُ السُّنَنُ وَتَحْيَا الْبِدَعُ، فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِّ مَوْتُ السُّنَنِ وَإِحْيَاءُ الْبِدَعِ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنَ الْمَلَوَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرُّ مِنْهُ» وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ حَدِيثِ: كُلُّ عَامٍ تَرْذُلُونَ، فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِسَالَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>