للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكَسْرِ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ مِنَ الرَّجَاءِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ: " «إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". (قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي وَهُوَ شَقِيقٌ (فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟) ، كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: مَا الْبَابُ؟ فَكَأَنَّهُمْ تَفَرَّسُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَابِ الشَّخْصُ لَا الْبَابُ الْحَقِيقِيُّ، كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْكَسْرِ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَأَنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بَابَ الصَّوَابِ، وَمِفْتَاحًا لِعِزِّ الْإِسْلَامِ، وَمَأْمَنًا مِنَ الْفِتَنِ بَيْنَ الْأَنَامِ، فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَدْخَلَهُ دَارَ السَّلَامِ.

(قَالَ) أَيْ: حُذَيْفَةُ (نَعَمْ) أَيْ: كَانَ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ، (كَمَا يَعْلَمُ) أَيْ: كَعِلْمِهِ (أَنَّ دُونَ غَدٍ) أَيْ: قُدَّامَهُ (لَيْلَةٌ) ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْغَدَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ حُصُولِ اللَّيْلَةِ، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ زَمَنَ الْأَمْنِ فِي قُوَّةِ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ، وَوَقْتَ الْفِتَنِ بِمَنْزِلَةِ الْغَدِ الْحَاضِرِ، وَالْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فِي مَرْتَبَةِ لَيْلٍ سَاتِرٍ، وَمَا أَحْسَنَ تَعْبِيرَ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ظُهُورِ يَوْمِ الْفِتْنَةِ بِالْغَدِ الْوَاقِعِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الظُّلْمَةِ الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِاللَّيْلَةِ ; لِخَفَاءِ أَمْرِ الْفِتْنَةِ وَشِدَّةِ بَلَائِهَا، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَدْهَى لِلْوَيْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلْمَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْبَابُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، (إِنِّي حَدَّثْتُهُ) : اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ: ذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثًا) أَيْ: ظَاهَرًا (لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ) : وَهِيَ جَمْعُ الْأُغْلُوطَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُغْلَطُ بِهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُ لَهُ لَمْ يَكُنْ مُبْهَمًا مُحْتَمَلًا كَالْأَغَالِيطِ، بَلْ صَرَّحْتُهُ تَصْرِيحًا، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ آثَرَ حُذَيْفَةُ الْحِرْصَ عَلَى حِفْظِ السِّرِّ، وَلَمْ يُصَرِّحْ لِعُمَرَ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَنَّى عَنْهُ كِنَايَةً، أَيْ: لَا يَخْرُجُ مِنَ الْفِتَنِ شَيْءٌ فِي حَيَاتِكَ، وَكَأَنَّهُ مَثَّلَ الْفِتَنَ بِدَارٍ مُقَابِلٍ لِدَارِ الْأَمْنِ، وَحَيَاتُهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، وَمَوْتُهُ بِفَتْحِ ذَلِكَ الْبَابِ، ثُمَّ أَنَّهُ كَنَّى بِالْكَسْرِ عَنِ الْقَتْلِ، وَبِالْفَتْحِ عَنِ الْمَوْتِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مِنْ بَابِ الصَّرِيحِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الرَّمْزِ وَالتَّلْوِيحِ، لَكِنَّ عُمَرَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ فَضْلًا عَنِ الْعِبَارَةِ، بَلْ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَسْرَارِ وَأَرْبَابِ الْأَنْوَارِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالسُّؤَالِ تَحْقِيقَ الْحَالِ، وَأَنَّهُ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَكُونُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْبَابِ ; وَلِذَا جَزَمَ حُذَيْفَةُ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ قَوْلُ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَعَلَّهُ لِهَذَا السِّرِّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ لِجَرِيءٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ إِظْهَارَ الْحَقِّ الْمَسْمُوعِ مِنْ سَيِّدِ الْخَلْقِ لَا يُسْتَبْعَدُ حَتَّى يُسَمَّى جَرَاءَةً عَلَى الرَّدِّ، فَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَالَ) أَيْ: شَقِيقٌ (فَهِبْنَا) : بِكَسْرِ الطَّاءِ مِنَ الْهَيْبَةِ أَيْ: فَخَشِينَا (أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ؟) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ (فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ) : وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (سَلْهُ) أَيْ: سَلْ حُذَيْفَةَ (فَسَأَلَهُ فَقَالَ) أَيْ: حُذَيْفَةُ (عُمَرُ) أَيْ: هُوَ الْبَابُ بِمَعْنَى السَّدِّ لِلْفِتْنَةِ عَنِ الْأَصْحَابِ وَالْأَحْبَابِ، أَوْ لِأَنَّهُ بَابُ النُّطْقِ بِالصَّوَابِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَفِي الْجَامِعِ: " «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُذَيْفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>