للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧١٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسَرَّحَ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسَرَّحَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٥٧١٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " خُفِّفَ ") أَيْ: سُهِّلَ وَيُسِّرَ (عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ) أَيْ: قِرَاءَةُ الزَّبُورِ وَحِفْظُهُ (فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ) ، أَيْ لِرُكُوبِهِ) ، أَيْ وَرُكُوبِ أَصْحَابِهِ (فَتُسْرَجُ الدَّوَابُّ، أَوْ فَيُشْرَعُ فِي سَرْجِهَا (فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ) أَيْ: الْمَقْرُوءَ، وَهُوَ الزَّبُورُ (قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ) : وَفِي النِّهَايَةِ: الْأَصْلُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ يَعْنِي الْقُرْآنَ الْجَمْعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتَهُ فَقَدْ قَرَأْتَهُ، وَعَنِ الْقُرْآنِ قُرْآنًا لِأَنَّهُ جَمَعَ الْقَصْرَ وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَالْآيَاتِ وَالسُّوَرَ بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْغُفْرَانِ وَالْكُفْرَانِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقِرَاءَةِ نَفْسِهَا يُقَالُ: قَرَأَ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا. قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ بِالْقُرْآنِ الزَّبُورَ، وَإِنَّمَا قَالَهُ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِعْجَازَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَطْوِي الزَّمَانَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ كَمَا يَطْوِي الْمَكَانَ لَهُمْ، وَهَذَا بَابٌ لَا سَبِيلَ إِلَى إِدْرَاكِهِ إِلَّا بِالْفَيْضِ الرَّبَّانِيِّ. قُلْتُ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي أَنَّهُ بَسْطٌ لِلزَّمَانِ أَوْ طَيٌّ لِلِّسَانِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَدْ حَصَلَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فِي الْمَبْنِيِّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ طَيِّ الْمَكَانِ وَبَسْطِ الزَّمَانِ، يَحْسَبُ السَّمْعَ وَاللِّسَانَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْآنِ، وَلِاتِّبَاعِهِ أَيْضًا وَقَعَ حَظٌّ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى مَا حُكِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ كَانَ يَبْتَدِئُ الْقُرْآنَ مِنَ ابْتِدَاءٍ قَصْدِ رُكُوبِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَبَانِي وَتَفَقُّهِ الْمَعَانِي، وَيَخْتِمُهُ حِينَ وَضْعِ قَدَمِهِ فِي رِكَابِهِ الثَّانِي، وَقَدْ نَقَلَ مَوْلَانَا نُورُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِيُّ فِي كِتَابِهِ نَفَحَاتُ الْأُنْسِ فِي حَضَرَاتِ الْقُدْسِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِنْ حِينِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَالرُّكْنَ الْأَسْعَدَ إِلَى حِينِ وَصُولِ مُحَاذَاةِ بَابِ الْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ، وَالْقِبْلَةِ الْمَنِيفَةِ، وَقَدْ جَمَعَهُ ابْنُ الشَّيْخِ شِهَابُ الدِّينِ السَّهْرَوَرْدِيُّ مِنْهُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَحَرْفًا حَرْفًا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، قَدَّسَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمْ وَنَفَعَنَا بِبَرَكَةِ أَنْوَارِهِمْ. (وَلَا يَأْكُلُ) أَيْ: كَانَ لَا يَتَعَيَّشُ دَاوُدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ) . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ - أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: ١٠ - ١١] أَيْ دُرُوعًا وَاسِعَاتٍ، وَفِي إِيرَادِ يَدَيْهِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ عَمَلَهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مُبَاشَرَةِ الْعُضْوَيْنِ، فَيَكُونُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، فَرِوَايَةُ الْجَامِعِ بِيَدِهِ عَلَى صِيغَةِ الْإِفْرَادِ يُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ لَالٍ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْكَسْبُ مِنَ الْحَلَالِ» . (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>