للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٧٧٣ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبَّاسٍ) ! بِمَ فَضَّلَهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٢٩] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ١ - ٢] قَالُوا: وَمَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: ٤] الْآيَةَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٧٧٣ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ. قَالُوا: يَا أَبَا عَبَّاسٍ) هُوَ كُنْيَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ (بِمَ فَضَّلَهُ) أَيْ: اللَّهُ (عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ) ؟ كَأَنَّهُمْ قَدَّمُوا الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ، أَوْ هُوَ عَلَى مِنْوَالِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦] الْآيَةِ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٢٩] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى - لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ١ - ٢] : قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ التَّفْضِيلُ مِنْ صَوْلَةِ الْخِطَابِ وَغِلْظَتِهِ فِي مُخَاطَبَةِ أَهْلِ السَّمَاءِ وَفَرْضِ مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ، وَجَعْلِهِ كَالْوَاقِعِ، وَتَرَتُّبِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ إِظْهَارًا لِكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ، وَأَنَّهُمْ بُعَدَاءُ مِنْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى مَا يُشَارِكُونَهُ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: ١٥٨] تَحْقِيرًا لَهُمْ وَتَصْغِيرًا لِشَأْنِهِمْ، وَمِنْ مُلَاطَفَتِهِ فِي الْخِطَابِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَا صَدَرَ وَيَصْدُرُ مِنْهُ مَغْفُورٌ، وَجَعَلَ فَتْحَ مَكَّةَ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ وَالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَإِنْزَالِ السِّكِّينَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ اه.

وَخُلَاصَةُ كَلَامِهِ، أَنَّهُ تَعَالَى غَلَّظَ فِي وَعِيدِ خِطَابِهِمْ، وَلَاطَفَ فِي خِطَابِ وَعْدِهِ، لَكِنَّ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَالَغَ فِي مَدْحِهِمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَمِنْهُ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٦ - ٢٨] وَغَلَّظَ فِي الْوَعِيدِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ بِالْخِطَابِ كَقَوْلِهِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} [الأنبياء: ٢٩] يَحْتَمِلُ، أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنَ الْخَلَائِقِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ بِهِ بِنَفْيِ النُّبُوَّةِ وَادِّعَاءِ ذَلِكَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِتَهْدِيدِ مُدَّعِي الرُّبُوبِيَّةِ اه فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّفْضِيلِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (قَالُوا: وَمَا فَضْلُهُ؟) أَيْ زِيَادَةُ فَضْلِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: ٤] أَيْ: وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] : قَالَ: وَأَمَّا بَيَانُ فَضْلِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٌ إِلَى قَوْمٍ مَخْصُوصٌ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ، وَلَا ارْتِيَابَ أَنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا بُعِثُوا لِإِرْشَادِ الْخَلْقِ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَإِخْرَاجِ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَى عِبَادَةِ الْمَلَكِ الْعَلَّامِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا كَانَ أَفْضَلَ وَأَفْضَلَ، وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ الْقَدَحُ الْمُعَلَّى، وَحَازَ قَصَبَ السَّبَقِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، بَلْ دِينَهُ انْتَشَرَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَتَغَلْغَلَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَاسْتَمَرَّ امْتِدَادُهُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ زَمَانٍ، وَزَادَهُ اللَّهُ شَرَفًا عَلَى شَرَفٍ، وَعِزًّا عَلَى عِزٍّ، مَا ذَرَّ شَارِقٌ وَلَمَحَ بَارِقٌ، فَلَهُ الْفَضْلُ بِحَذَافِيرِهِ سَابِقًا وَلَاحِقًا (فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أَيْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَقِيَّةِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: ٢٩] وَنَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأنعام: ١٣٠] عَلَى مَا فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، فَذِكْرُ النَّاسِ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ تَعْظِيمًا أَوْ تَغْلِيبًا، أَوْ لِأَنَّهُ يَعُمُّهُمْ، فَفِي الْقَامُوسِ: النَّاسُ يَكُونُ مِنَ الْإِنْسِ وَمِنَ الْجِنِّ جَمْعُ إِنْسٍ أَصْلُهُ أُنَاسٌ جَمْعٌ عَزِيزٌ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْ، وَقِيلَ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ لِلنَّتِيجَةِ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ تَعْرِيفَ النَّاسِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَكَافَّةً: إِمَّا حَالٌ أَوْ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: تَكْفِي أَنْ يَخْرُجَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الْإِرْسَالِ وَالْجِنُّ تَبَعٌ لِلنَّاسِ، فَعُلِمَ الْتِزَامًا أَنَّ رِسَالَتَهُ عَمَّتِ الثَّقَلَيْنِ جَمِيعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>