للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ) ، أَيْ: فِي كِتَابِهِ (عَزَاءً) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ تَسْلِيَةً (مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ) : إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٦] أَوْ فِي ثَوَابِهِ عِوَضًا مِنْ كُلِّ مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ. قِيلَ: أَرَادَ بِالتَّعَزِّي فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّسَلِّيَ وَالتَّصَبُّرَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَأَنْ يَقُولَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ: فِي اللَّهِ أَيْ إِنَّ فِي لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَسَلِّيًا وَتَصَبُّرًا مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَأَنْ يُرَادَ إِنَّ فِي اللَّهِ تَسْلِيَةً عَلَى التَّجْرِيدِ أَيِ اللَّهُ مُعِزٌّ وَمُسَلٍّ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَفِي الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفَاءِ كَافٍ، وَيُؤَيِّدُهُ الْقَرِينَتَانِ يَعْنِي قَوْلَهُ: (وَخَلَفًا) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: عِوَضًا (مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا) : بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ أَيْ: تَدَارُكًا (مِنْ كُلِّ فَائِتٍ) ، وَمَا أَحْسَنَ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْحَالِ، شِعْرٌ:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا فَارَقْتَهُ خَلَفٌ ... وَلَيْسَ لِلَّهِ إِنْ فَارَقْتَ مِنْ عِوَضِ

(فَبِاللَّهِ) ، أَيْ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَبِعَوْنِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ (فَاتَّقُوا) ، أَيِ: الْجَزَعَ وَالْفَزَعَ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ: فَثِقُوا بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ الْمَضْمُومَةِ أَيْ: فَاعْتَمِدُوا بِهِ إِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: ٥٨] . (وَإِيَّاهُ فَارْجُوا) ، أَيْ لَا تَرْجُوا سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ مِنْ عِنْدِهِ فَارْجُوا الثَّوَابَ. (فَإِنَّمَا الْمُصَابُ) ، أَيْ: فِي الْحَقِيقَةِ (مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ) . بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: مَنْ مُنِعَ الْمَثُوبَةَ بِسَبَبِ قِلَّةِ الصَّبْرِ فِي قَضِيَّةِ الْمُصِيبَةِ، وَالصَّبْرُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَبِاللَّهِ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ، وَبِاللَّهِ حَالٌ قُدِّمَتْ عَلَى عَامِلِهَا اخْتِصَاصًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: ٥٦] أَيْ إِذَا كَانَ اللَّهُ مُعَزِّيًا وَخَلَفًا وَدَرَكًا، فَخُصُّوهُ بِالتَّقْوَى مُسْتَعِينِينَ بِهِ، وَالْفَاءُ فِي فَاتَّقُوا وَرَدَتْ لِتَأْكِيدِ الرَّبْطِ، كَذَا فِي قَوْلِهِ: فَارْجِعُوا، وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ لَيْسَ لِإِرَادَةِ التَّخْصِيصِ، بَلْ لِتَتَعَادَلَ بِهِ الْقَرِينَةُ فِي اقْتِرَانِ الْفَاءِ. قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِرَادَةِ الِاخْتِصَاصِ الْمُفِيدِ لِلْإِخْلَاصِ، وَحُصُولِ التَّعَادُلِ بَيْنَ اقْتِرَانِ التَّمَاثُلِ.

(فَقَالَ عَلِيٌّ) ، أَيْ: زَيْنُ الْعَابِدِينَ، أَوْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا) ؟ أَيْ صَاحِبُ الصَّوْتِ (هَذَا هُوَ الْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ، وَقِيلَ بِكَسْرٍ وَسُكُونٍ، وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: يَجُوزُ إِسْكَانُ الضَّادِ مَعَ فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيٌّ مَوْجُودٌ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ) . أَيِ الْحَدِيثَ بِكَامِلِهِ (فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) . وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ (الْوَفَاءِ) وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ، فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي الْحِصْنِ وَلَفْظُهُ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ مُلْكٍ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ، فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الصَّحَابَةِ فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ فَأَنِيبُوا وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا، وَنَظَرُهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَاءِ فَانْظُرُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ لَمْ يُجْبَرْ وَانْصَرَفَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ: هَذَا الْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. قَالَ مِيرَكُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَاهِي الْإِسْنَادِ أَيْ ضَعِيفٌ بِخُصُوصِ هَذَا السَّنَدِ، لَكِنْ إِذَا انْضَمَّ إِلَى غَيْرِهِ يَتَقَوَّى وَيَتَرَقَّى إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ، فَانْدَفَعَ مَا قَالَ الْخُضَرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِشْكَاةِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ، عَنْ يَزِيدَ الْأَصَمِّ، عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَابْنُ مُحْرِزٍ مَتْرُوكٌ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ اه. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ كَوْنِ أَحَدِ الرُّوَاةِ مَتْرُوكًا كَوْنَ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا، لَا سِيَّمَا إِذَا جَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>