للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلِهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ أَهْلٍ إلَى أَهْلٍ فِي السَّنَةِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ وَدَخَلَ فِي أَيِّ بَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا أَهْلُهُ فَيَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَلَا بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ، وَالشَّيْءَ لَا يُنْسَخُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ وَطَنِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ مُسَافِرًا وَكَانَ وَطَنُهُ بِهَا بَاقِيًا حَتَّى يَعُودَ مُقِيمًا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ» .

(وَوَطَنُ) الْإِقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ، وَيُنْتَقَضُ بِالسَّفَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فَصَارَ مُعْرِضًا عَنْ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ دَلَالَةً، وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَلَا يَنْسَخُهُ.

(وَوَطَنُ) السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَبِالسَّفَرِ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ: إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إقَامَةٍ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَطَّنَ فِيهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا.

فَأَمَّا بِدُونِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لَا يَصِيرُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي مَكَان صَالِحٍ لِلْإِقَامَةِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْمُقِيمَ إذَا خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يَتَوَطَّنَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرٍ لِانْعِدَامِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ حَتَّى وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ مَسِيرَةُ مَا دُونَ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ: يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ يُخَرَّجُ بَعْضُ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْهُلَ تَخْرِيجُ الْبَاقِي خُرَاسَانِيٌّ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى خُرَاسَانَ وَمَرَّ بِالْكُوفَةِ - فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَقَدْ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِالْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ أَيْضًا.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا وَطَنُهُ بِالْحِيرَةِ اُنْتُقِضَ بِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ، فَكَمَا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ عَلَى قَصْدِ خُرَاسَانَ صَارَ مُسَافِرًا، وَلَا وَطَنَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ بَلْدَتَهُ بِخُرَاسَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْمُقَامَ بِالْحِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ مِثْلَهُ وَلَا سَفَرٍ فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْكُوفَةِ كَمَا كَانَ.

وَلَوْ أَنَّ خُرَاسَانِيًّا قَدِمَ الْكُوفَةَ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا يُرِيدُ مَكَّةَ، فَقَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَكَرَ حَاجَةً لَهُ بِالْكُوفَةِ فَعَادَ - فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ قَدْ بَطَلَ بِالسَّفَرِ كَمَا يَبْطُلُ بِوَطَنٍ مِثْلِهِ.

وَلَوْ أَنَّ كُوفِيًّا خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ، ثُمَّ عَادَ مِنْ الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ فَمَرَّ بِالْقَادِسِيَّةِ قَصَرَ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ وَالْحِيرَةِ سَوَاءٌ، فَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي، وَلَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْحِيرَةِ، ثُمَّ يَرْتَحِلَ إلَى الشَّامِ صَلَّى بِالْقَادِسِيَّةِ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ (وَأَمَّا) الرَّابِعُ فَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدِ لِلْوَطَنِ: وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ يَصِيرُ مُقِيمًا حِينَ عَزَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مِصْرِهِ قَصْدُ تَرْكِ السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَصَحَّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مُدَّةُ سَفَرٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ قَصَدَ تَرْكَ السَّفَرِ إلَى جِهَةٍ.

وَقَصَدَ السَّفَرَ إلَى جِهَةٍ، فَلَمْ يَكْمُلْ الْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى السَّفَرِ لِوُقُوعِ التَّعَارُضِ، فَبَقِيَ مُسَافِرًا كَمَا كَانَ.

وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ مُسَافِرًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَافْتَتَحَهَا، ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ هُنَالِكَ فَنَوَى أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ فَحِينَ نَوَى ذَلِكَ صَارَ مُقِيمًا مِنْ سَاعَتِهِ دَخَلَ مِصْرَهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَصَدَ الدُّخُولَ فِي الْمِصْرِ بِنِيَّةِ تَرْكِ السَّفَرِ فَحَصَلَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَصَحَّتْ، فَإِذَا دَخَلَهُ صَلَّى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ صَلَاةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>