للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ وَزْنُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُسْتَعْمِلُ أَنَّ فِيهِ مَا قَالَ الصَّانِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَلَا ظَاهِرَ هَهُنَا يَشْهَدُ لَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً، وَقَالَ: زِدْ عَلَيْهَا دِرْهَمَيْنِ قَرْضًا عَلَيَّ فَصُغْهُ قَلْبًا، وَأَجْرُك دِرْهَمٌ فَصَاغَهُ وَجَاءَ بِهِ مَحْشُوًّا فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ الصَّائِغُ: قَدْ زِدْت عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ رَبُّ الْقَلْبِ: لَمْ تَزِدْ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ الصَّائِغُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْقَلْبَ، وَأَخَذَ مِنْهُ أُجْرَةَ خَمْسَةِ دَوَانِيقَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً، وَأَخَذَ الْقَلْبَ، أَمَّا التَّحَالُفُ فَلِأَنَّ الصَّائِغَ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِ الْقَلْبِ الْقَرْضَ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَيُسْتَحْلَفُ، وَصَاحِبُ الْقَلْبِ يَدَّعِي عَلَى الصَّائِغِ اسْتِحْقَاقَ الْقَلْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَيُسْتَحْلَفُ، وَإِذَا بَطَلَ دَعْوَى الصَّائِغِ فِي الْقَلْبِ عُلِمَ أَنَّ الْوَزْنَ عَشَرَةٌ وَإِنَّمَا بَذَلَ صَاحِبُ الْقَلْبِ لِلصَّائِغِ دِرْهَمًا لِصِيَاغَتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ تَلْزَمُهُ لِلْعَشَرَةِ خَمْسَةُ دَوَانِيقَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلصَّائِغِ أَنْ يَحْبِسَ الْقَلْبَ، وَيُعْطِيَ صَاحِبَ الْقَلْبِ مِثْلَ فِضَّتِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ، وَأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضِ الْقَرْضِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِثْلُ حَقِّهِ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى نَدَّافٍ ثَوْبًا، وَقُطْنًا يَنْدِفُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ مَا رَأَى، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ أَتَاهُ وَقَدْ نَدَفَ عَلَى الثَّوْبِ عِشْرِينَ أَسْتَارًا مِنْ قُطْنٍ، فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: دَفَعْت إلَيْك خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْتَارًا مِنْ قُطْنٍ، وَأَمَرْتُك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ عَشَرَةً وَتَنْقُصَ إنْ رَأَيْت فَلَمْ تَزِدْ إلَّا خَمْسَةَ أَسَاتِيرَ، وَقَالَ النَّدَّافُ: دَفَعْت إلَيَّ عَشَرَةً وَأَمَرْتنِي أَنْ أَزِيدَ عَشَرَةً فَزِدْتهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّدَّافِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ أَسَاتِيرَ مِنْ قُطْنٍ كَمَا ادَّعَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَا يَدَّعِي عَلَى النَّدَّافِ مُخَالَفَةَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْتَارًا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ النَّدَّافِ فِي مِقْدَارِهِ فَتَبْقَى الْعَشَرَةُ زِيَادَةً فَيَضْمَنُهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ قَالَ: دَفَعْت إلَيْك خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَمَرْتُك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ النَّدَّافُ: دَفَعْت إلَيَّ عَشَرَةً وَأَمَرْتنِي أَنْ أَزِيدَ عَلَيْهِ عَشَرَةً فَزِدْتُ عَلَيْهِ عَشَرَةً، فَصَاحِبُ الثَّوْبِ فِي هَذَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ صَدَّقَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ أَسَاتِيرَ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَمِثْلَ عَشَرَةِ أَسَاتِيرَ قُطْنٍ، وَكَانَ الثَّوْبُ لِلنَّدَّافِ؛ لِأَنَّ النَّدَّافَ يَزْعُمُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَصَاحِبَ الثَّوْبِ يَدَّعِي الْخِلَافَ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّدَّافِ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا ثَوْبًا لِيَقْطَعَهُ قَبَاءً مَحْشُوًّا، وَدَفَعَ إلَيْهِ الْبِطَانَةَ، وَالْقُطْنَ فَقَطَّعَهُ وَخَاطَهُ، وَحَشَاهُ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْعَمَلِ، وَالْأُجْرَةِ: فَإِنَّ الثَّوْبَ ثَوْبُ رَبِّ الثَّوْبِ وَالْقُطْنَ قُطْنُهُ، غَيْرَ أَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ إنْ قَالَ: إنَّ الْبِطَانَةَ لَيْسَتْ بِطَانَتِي، فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ مَعَ يَمِينِهِ أَلْبَتَّةَ أَنَّ هَذَا بِطَانَتُهُ، وَيَلْزَمُ رَبَّ الثَّوْبِ، وَيَسَعُ رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الْبِطَانَةَ فَيَلْبَسُهَا لِأَنَّ الْبِطَانَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْخَيَّاطِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهَا ثُمَّ إنْ كَانَتْ بِطَانَةُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ حَلَّ لَهُ لُبْسُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَقَدْ رَضِيَ الْخَيَّاطُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ بَدَلَ بِطَانَتِهِ؛ فَحَلَّ لَهُ لُبْسُهَا، وَرَوَى بِشْرٌ وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى حَمَّالًا مَتَاعًا لِيَحْمِلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَحَمَلَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ رَبُّ الْمَتَاعِ: لَيْسَ هَذَا مَتَاعِي، وَقَالَ الْحَمَّالُ: هُوَ مَتَاعُكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمَّالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ الْأَجْرُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَيَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَمَّالِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، قَالَ: وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ وَالنَّوْعَانِ فِي هَذَا سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ أَفْحَشُ وَأَقْبَحُ يُرِيدُ بِهَذَا لَوْ حَمَّلَهُ طَعَامًا أَوْ زَيْتًا، وَقَالَ: الْأَجِيرُ هَذَا طَعَامُكَ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ رَبُّ الطَّعَامِ: كَانَ طَعَامِي أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا يَفْحُشُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ رَبِّ الطَّعَامِ، وَيَبْطُلُ الْأَجْرُ، وَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمَّالِ، وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ إنْ كَانَ قَدْ حَمَلَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ جَاءَ بِشَعِيرٍ وَقَالَ رَبُّ الطَّعَامِ: كَانَ طَعَامِي حِنْطَةً فَلَا أَجْرَ لِلْحَمَّالِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْبُحُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يَمْلِكُ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّعِيرَ عِوَضًا عَنْ طَعَامِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمَّالَ قَدْ بَذَلَ لَهُ ذَلِكَ فَإِذَا أَخَذَ الْعِوَضَ سَلِمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَأَمَّا فِي النَّوْعَيْنِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّوْعَ الْآخَرَ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالْبَيْعِ، فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأَجْرَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي أَصْلِ الْأَجْرِ كَالنَّسَّاجِ وَالْقَصَّارِ، وَالْخَفَّافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>