للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ خَاصَّةً وَالشُّفْعَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ.

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا بَاعَ الدَّارَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَضَمِنَ وَهُوَ حَاضِرٌ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي دَلَالَةُ الرِّضَا بِالشِّرَاءِ وَحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ وَإِبْرَامَهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ فَضَمِنَ وَهُوَ حَاضِرٌ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ الدَّرَكَ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِالْعَقْدِ وَحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا إسْلَامُ الشَّفِيعِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَتَجِبُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ التَّمَلُّكِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْهُ، وَالْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ.

وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ فَكَتَبَ إلَى سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَجَازَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَيَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا.

وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ﵏، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا تَجِبُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَهُ أَصْلًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ أَصْلًا، وَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَعِنْدَنَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالشَّاةِ لَنَا، ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ - فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا أَخَذَ الدَّارَ بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَبِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْخَلِّ، وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بَلْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ تَمَلُّكٌ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَتَى تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّمَلُّكُ بِالْعَيْنِ تَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِالْعَرَضِ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْعَرَضِ كَذَا هَذَا.

وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَالنِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْخَصْمَ فِيمَا يَجِبُ لِلصَّبِيِّ أَوْ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مِنْ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ، وَالْجَدِّ لِأَبٍ وَوَصِيِّهِ، وَالْقَاضِي وَوَصِيِّ الْقَاضِي، فَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ وَالصَّبِيُّ شَفِيعُهَا كَانَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطَالِبَ بِالشُّفْعَةِ وَيَأْخُذَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَإِنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ صَحَّ التَّسْلِيمُ وَلَا شُفْعَةَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ﵄، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ وَالصَّبِيُّ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ ثَبَتَ لِلصَّبِيِّ نَظَرًا فَإِبْطَالُهُ لَا يَكُونُ نَظَرًا فِي حَقِّهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ كَالْعَفْوِ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلصَّبِيِّ عَلَى إنْسَانٍ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ كَفَالَتِهِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ امْتِنَاعٌ مِنْ الشِّرَاءِ، وَلِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الشِّرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بِعْت هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ الصَّبِيِّ لَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الْقَبُولُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ قَدْ تَكُونُ فِي الشِّرَاءِ وَقَدْ تَكُونُ فِي تَرْكِهِ وَالْوَلِيُّ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَكَتَ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ عَنْ الطَّلَبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَبْطُلُ.

وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَابْنُهُ الصَّغِيرُ شَفِيعُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُنَافِي الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَلَّكَ بِعِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْأَخْذَ لِابْنِهِ أَوْلَى، وَإِذَا مَلَكَ الْأَخْذَ مَلَكَ التَّسْلِيمَ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الْأَخْذِ، وَلَوْ بَاعَ دَارًا لِنَفْسِهِ وَابْنُهُ شَفِيعُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ فَيُنَافِي التَّمَلُّكَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْأَخْذَ لَمْ يَمْلِكْ التَّسْلِيمَ فَلَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ وَتَوَقَّفَ إلَى حِينِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.

وَأَمَّا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا لِنَفْسِهِ وَالصَّبِيُّ شَفِيعُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِلصَّغِيرِ وَلَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ؛ فَالصَّغِيرُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّارَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِلصَّغِيرِ يُرِيدُ تَمْلِيكَ مَا مَلَكَهُ مِنْ الصَّغِيرِ.

وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ عَنْ الطَّلَبِ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ فَبَقِيَ حَقُّ الصَّغِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>