للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْفَوْرِ ضَرُورَةً.

وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَجْلِسِ إذَا قَالَ - وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ -: اُدْعُوا لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ فَجَاءَ الشُّهُودُ فَأَشْهَدَهُمْ صَحَّ وَتَوَثَّقَ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَائِمٌ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِبَيْعِ الدَّارِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ ادَّعَيْتُ شُفْعَتَهَا، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ قَدْ ادَّعَيْتُ شُفْعَتَهَا فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِهِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ.

وَكَذَا إذَا سَلَّمَ أَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَمَلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؟ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرْضَى بِمُجَاوَرَةِ إنْسَانٍ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ تَصْلُحُ لَهُ الدَّارُ بِثَمَنٍ دُونَ غَيْرِهِ فَكَانَ السُّؤَالُ عَنْ حَالِ الْجَارِ وَمِقْدَارِ الثَّمَنِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الطَّلَبِ لَا إعْرَاضًا عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الْفَوْرِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِانْقِطَاعِ الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَمَضَى فِيهَا فَالشَّفِيعُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْضِ أَوْ فِي الْوَاجِبِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا حَرَامٌ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الطَّلَبِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّنَّةِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ السُّنَّةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَوَصَلَ بِهِمَا الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَمْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبَةٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ الْبَيْعُ فَصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ فَصَارَ كَالرَّكْعَتَيْنِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إذَا كَانَتْ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَزَادَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْغَائِبُ إذَا عَلِمَ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ مِثْلُ الْحَاضِرِ فِي الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَبِ الَّذِي يَتَأَكَّدُ بِهِ الْحَقُّ وَعَلَى الْإِشْهَادِ الَّذِي يَتَوَثَّقُ بِهِ الطَّلَبُ.

وَلَوْ وَكَّلَ الْغَائِبُ رَجُلًا لِيَأْخُذَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَذَلِكَ طَلَبٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي التَّوْكِيلِ طَلَبًا وَزِيَادَةً، وَإِذَا طَلَبَ الْغَائِبُ عَلَى الْمُوَاثَبَةِ وَأَشْهَدَ فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجَلِ مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَأْتِي إلَى حَيْثُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الدَّارُ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ هَذَا الْقَدْرِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلزِّيَادَةِ.

(أَمَّا) طَلَبُ التَّقْرِيرِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَوْرِ الطَّلَبِ الْأَوَّلِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَلَبَ عَلَى الْمُوَاثَبَةِ وَأَشْهَدَ عَلَى فَوْرِهِ ذَلِكَ شَخْصًا إلَى حَيْثُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الدَّارُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ عِنْدَ الدَّارِ.

(أَمَّا) الطَّلَبُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ الْبَائِعُ بِالْيَدِ وَالْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا فَصَحَّ الطَّلَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

(وَأَمَّا) الطَّلَبُ عِنْدَ الدَّارِ؛ فَلِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَإِنْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَعِنْدَ الدَّارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي الطَّلَبِ.

وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ عِنْدَ الدَّارِ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِزَوَالِ يَدِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا عِنْدَ الدَّارَ وَشَخَصَ إلَى الْبَائِعِ لِلطَّلَبِ مِنْهُ وَالْإِشْهَادِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا وَلَوْ تَعَاقَدَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّارُ فَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يَأْتِيَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَطْلُبُ عِنْدَ الدَّارِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ بِجَنْبِ الدَّارِ - وَالْعَاقِدَانِ غَائِبَانِ - تَعَيَّنَتْ الدَّارُ لِلطَّلَبِ عِنْدَهَا وَالْإِشْهَادِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ عِنْدَهَا وَشَخَصَ إلَى الْعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِوُجُودِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ، هَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ الدَّارِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ مَخُوفٌ أَوْ أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ - لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ إلَى أَنْ يَزُولَ الْحَائِلُ.

(وَأَمَّا) الْإِشْهَادُ عَلَى هَذَا الطَّلَبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ كَمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَوْثِيقِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْكَارِ كَمَا فِي الطَّلَبِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَالْعَقَارُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ فَلَا يَصِحُّ الطَّلَبُ وَالْإِشْهَادُ بِدُونِهِ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الطَّلَبِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>