للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْكُلِّ فَقَدْ تَقَرَّرَ حَقُّهُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْطِنِي النِّصْفَ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَ لَكَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ تَسْلِيمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَقَرَّرْ بَعْدُ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لَهُ فِي كُلِّ الدَّارِ، وَالْحَقُّ إذَا ثَبَتَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْإِسْقَاطِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ كَمَا كَانَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ ﵀ عَنْ هَذَا أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الْإِسْقَاطُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ فَنَحْوُ أَنْ يَمُوتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا تَبْطُلُ وَلِوَارِثِهِ حَقُّ الْأَخْذِ، وَلَغَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خِيَارَ الشُّفْعَةِ هَلْ يُوَرَّثُ؟ عِنْدَنَا لَا يُوَرَّثُ، وَعِنْدَهُ يُوَرَّثُ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.

وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَارِثِهِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ فِي التَّمَلُّكِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ كَحَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؟ ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: الْمَشْفُوعُ فِيهِ يُمْلَكُ بِالتَّمَلُّكِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا مِلْكَ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَلْ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ قَبْلَ الْأَخْذِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَيَغْرِسَ وَيَهْدِمَ وَيَقْلَعَ وَيُؤَاجِرَ وَيَطِيبَ لَهُ الْأَجْرُ وَيَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِ الْكَرْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيُوصِيَ، وَإِذَا فَعَلَ يَنْفُذُ إلَّا أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَيَمْتَنِعُ اللُّزُومُ، وَلَوْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَنْقُضَ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ كَمَا لَوْ بَاعَ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ وُجُودِهِ فَنَفَذَ وَلَمْ يَلْزَمْ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ كَالْإِعْتَاقِ فَكَانَ نَفَاذُهَا لُزُومَهَا، وَلَنَا أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ يَمْنَعُ خُلُوصَهُ لِلَّهِ ﷿ فَيَمْنَعُ صَيْرُورَتَهُ مَسْجِدًا، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الْمُشْتَرَاةَ بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ جِوَارُ الْمِلْكِ أَوْ الشَّرِكَةُ فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ فَطَالَبَ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ الَّتِي بِجِوَارِهِ وَيَمْضِي الْقَضَاءُ فِي الثَّانِيَةِ لِلْمُشْتَرِي، أَمَّا لِلشَّفِيعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا لِلْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ لِلدَّارِ بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ جِوَارَ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا كَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَقُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَ دَارِهِ الَّتِي بِهَا يَشْفَعُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا.

وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ جَارًا لِلدَّارَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَيُقْضَى لَهُ بِكُلِّ الدَّارِ الْأُولَى وَبِالنِّصْفِ مِنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ جَارٌ خَاصٌّ لِلدَّارِ الْأُولَى فَيَخْتَصُّ بِشُفْعَتِهَا، وَهُوَ مَعَ الْمُشْتَرِي جَارَانِ لِلدَّارِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي شُفْعَتِهَا، وَشِرَاءُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُقَرِّرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِيمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ ثُمَّ اشْتَرَى رَجُلٌ آخَرُ نِصْفَهَا الْآخَرَ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَيُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الْجَارُ فِي الشُّفْعَتَيْنِ جَمِيعًا أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ جَارٌ لِلنِّصْفِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُهُ بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ عِنْدَ بَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ، وَثُبُوتُ الْحَقِّ لِلشَّفِيعِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ فَكَانَ شَرِيكًا عِنْدَ بَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهَا ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهَا الْآخَرَ رَجُلٌ آخَرُ فَلَمْ يُخَاصِمْهُ فِيهِ حَتَّى أَخَذَ الْجَارُ النِّصْفَ الْأَوَّلَ فَالْجَارُ أَحَقُّ بِالنِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ - وَإِنْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِأَخْذِ الْجَارِ بِالشُّفْعَةِ فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ.

وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ دَارًا فَبِيعَتْ دَارُ الْأَوَّلِ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمَوْرُوثَةُ وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الدَّارَ الثَّانِيَةَ، وَالْوَارِثُ أَحَقُّ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الْوَارِثُ كَانَتْ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا فَكَانَتْ الشُّفْعَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَالْوَارِثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>