للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ عَادَةً، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً، وَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إجَارَةِ النَّفْسِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهَا، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي إجَارَةِ الْمَالِ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ إجَارَةَ مَالِ الصَّغِيرِ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَيَقُومُ الْأَبُ فِيهِ مَقَامَهُ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْإِبْطَالِ بِالْبُلُوغِ، فَأَمَّا إجَارَةُ نَفْسِهِ فَتُصْرَفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَضْرَارِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْأَبُ إلَّا أَنَّهُ مَلَكَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا نَوْعُ رِيَاضَةٍ، وَتَهْذِيبٌ لِلصَّغِيرِ، وَتَأْدِيبٌ لَهُ، وَالْأَبُ يَلِي تَأْدِيبَ الصَّغِيرِ فَوَلِيَهَا عَلَى أَنَّهَا تَأْدِيبٌ فَإِذَا بَلَغَ فَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ، وَهُوَ الْفَرْقُ، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً، وَلَهُ أَنْ يُبْضِعَ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ التِّجَارَةَ يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا، وَلِهَذَا مَلَكَهَا الْمَأْذُونُ، وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَالَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ ضَرَرًا.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَضَرُورَاتِهَا فَتُمْلَكُ بِمِلْكِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا مَلَكَهَا الْمَأْذُونُ، وَلَهُ أَنْ يُودِعَ مَالَهُ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ دُونَ التِّجَارَةِ فَإِذًا مَلَكَ التِّجَارَةَ بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَهُوَ يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ أَيْضًا، وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَرْهُونِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهَنِ إلَّا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ يَضْمَنُ مِقْدَارَ مَا صَارَ مُؤَدِّيًا مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ نَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ مُضَارَبَةً عِنْدَ نَفْسِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ يَحِلُّ لَهُ الرِّبْحُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا شَارَكَ وَرَأْسُ مَالِهِ أَقَلُّ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ أَشْهَدَ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ يَحِلَّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ، وَيُجْعَلُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا، وَمَا عَرَفْتَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْأَبِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي وَصِيِّهِ حَالَ عَدَمِهِ، وَفِي الْجَدِّ وَوَصِيِّهِ حَالَ عَدَمِهِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ، وَبَيْنَ الْجَدِّ وَوَصِيِّهِ فَرْقًا مِنْ وُجُوهٍ مَخْصُوصَةٍ.

(مِنْهَا) : أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ جَازَ، وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَصْلًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.

(وَمِنْهَا) أَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ الِاقْتِصَاصِ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ الِاقْتِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاقْتِصَاصِ فِي النَّفْسِ.

(وَمِنْهَا) أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الصُّلْحِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ حَطٍّ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْعَفْوِ، وَفِي جَوَازِ الصُّلْحِ مِنْ الْوَصِيِّ رِوَايَتَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.

ثُمَّ، وَلِيُّ الْيَتِيمِ هَلْ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؟ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ غَنِيًّا لَا يَأْكُلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: ٦] فَأَمَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا قَرْضًا؟ اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَكِنْ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ أَنَّهُ يَأْكُلُ قَرْضًا فَإِذَا أَيْسَرَ قَضَى، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْأَيْتَامِ عِنْدَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ.

وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ بِطَرِيقِ الْأَمَانَةِ لَكَانَ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ إذَا قَالَ: دَفَعْتُ الْمَالَ إلَى الْيَتِيمِ عِنْدَ إنْكَارِهِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْأَخْذِ قَرْضًا لِيَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَا قَوْلُ مَنْ يَقْضِي الدَّيْنَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ ﷿ ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] قَالَ: قَرْضًا احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] أَطْلَقَ اللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ.

وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ، وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ : كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>