للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ مَالَكَ بِمَالِهِ» وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الِاسْتِعْفَافُ مِنْ مَالِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ: أُوصِيَ إلَيَّ يَتِيمٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَشْتَرِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبُ الْوِلَايَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْوِلَايَةِ فَأَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَهُوَ وَصِيُّ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الصِّغَارِ بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ لَهُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالنَّظَرُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّفَقَةِ وَشَفَقَةُ الْأَبِ فَوْقَ شَفَقَةِ الْكُلِّ، وَشَفَقَةُ وَصِيِّهِ فَوْقَ شَفَقَةِ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ مَرْضِيُّ الْأَبِ وَمُخْتَارُهُ فَكَانَ خَلَفَ الْأَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَخَلَفُ الشَّيْءِ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ، وَشَفَقَةُ الْجَدِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ تَنْشَأُ عَنْ الْقَرَابَةِ وَالْقَاضِي أَجْنَبِيٌّ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ الْقَرِيبِ عَلَى قَرِيبِهِ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا شَفَقَةُ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَرْضِيُّ الْجَدِّ وَخَلَفُهُ فَكَانَ شَفَقَتُهُ مِثْلَ شَفَقَتِهِ، وَإِذَا كَانَ مَا جُعِلَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ الْعِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَيْسَ لِمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَغَيْرِهِمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ قَاصِرَا الشَّفَقَةِ وَفِي التَّصَرُّفَاتِ تَجْرِي جِنَايَاتٌ لَا يَهْتَمُّ لَهَا إلَّا ذُو الشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ، وَالْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ لَهَا وُفُورُ الشَّفَقَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهَا كَمَالُ الرَّأْيِ لِقُصُورِ عَقْلِ النِّسَاءِ عَادَةً فَلَا تَثْبُتُ لَهُنَّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَلَا لِوَصِيِّهِنَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ خَلَفُ الْمُوصِي قَائِمٌ مَقَامَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا قَدْرُ مَا كَانَ لِلْمُوصِي وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْحِفْظُ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ.

وَلِوَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ أَنْ يَبِيعَ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِلصَّغِيرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا حَيًّا حَاضِرًا فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ أَصْلًا فِي مِيرَاثِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا يَمْلِكُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ لِمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحِفْظِ لِكَوْنِهِ مَحْفُوظًا بِنَفْسِهِ وَكَذَا لَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ التِّجَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلصَّغِيرِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا اسْتَفَادَ الصَّغِيرُ مِنْ الْمَالِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى سِوَى الْإِرْثِ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ أَصْلًا عَقَارًا كَانَ أَوْ مَنْقُولًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَكَذَا الْوَصِيُّ.

(وَأَمَّا) وَصِيُّ الْمُكَاتَبِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُكَاتَبِ وَلِقَضَاءِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ، وَمَا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهِ يَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ.

(أَمَّا) الْأَحْرَارُ مِنْهُمْ: فَلَا شَكَّ، وَكَذَا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَمَنْ كُوتِبَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِعِتْقِ أَبِيهِ، وَإِذَا صَارَ الْفَاضِلُ مِنْ كَسْبِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَهَلْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِمْ؟ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْحِفْظَ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَفِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَلْحَقَهُ بِوَصِيِّ الْأَبِ فَإِنَّهُ أَجَازَ قِسْمَتَهُ فِي الْعَقَارَاتِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَمَنْ جَازَتْ قِسْمَتُهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَهَذَا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَأَمَّا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ كَانَ وَصِيُّهُ كَوَصِيِّ الْحُرِّ بِلَا خِلَافٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْعَقِدُ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَعْضِهَا أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَمْلُوكٍ لَهُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْزَمُهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَكَّ الرَّهْنَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمَدِينِ وَكَذَا احْتِمَالُ الْإِجَازَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ثَابِتٌ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِلْحَالِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا فَتَوَقَّفَ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: فَاسِدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمَوْقُوفِ عِنْدَنَا فَإِذَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا فَإِنْ أَجَازَا جَازَ وَنَفَذَ، وَهَلْ يَمْلِكَانِ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَسْخِ؟ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ: أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ: فَلَا يَمْلِكُ.

وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ: فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَمْلِكُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>