للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ فَيَرُدُّ الْأَجْرَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ حَتَّى يُسْلِمَ فِي الْمَكَان الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِيهِ وَلَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَمْ يُسْلِمْ لَهُ فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَإِذَا رَدَّهُ لَا يَعُودُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمْلِيكِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ الِاعْتِيَاضَ وَبَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ بِإِسْقَاطِهِ صَرِيحًا، وَلِرَبِّ السَّلَمِ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ الْتَحَقَ الِاعْتِيَاضُ بِالْعَدَمِ وَبَقِيَ الْحَقُّ عَلَى مَا كَانَ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَسْقَطْتُ حَقِّي فِي الشُّفْعَةِ يَسْقُطُ، وَلَوْ قَالَ: أَسْقَطْتُ حَقِّي فِي التَّسْلِيمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا يَسْقُطُ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا فَهُوَ أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، وَذَلِكَ إمَّا الْكَيْلُ، وَإِمَّا الْوَزْنُ، وَإِمَّا الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ هُوَ عِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ يَتَحَقَّقُ رِبَا النَّسَاءِ، وَالْعَقْدُ الَّذِي فِيهِ رِبًا فَاسِدٌ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ إسْلَامُ الْمَكِيلِ فِي الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ فِي الْمَوْزُونِ، وَالْمَكِيلِ فِي الْمَوْزُونِ، وَالْمَوْزُونِ فِي الْمَكِيلِ، وَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِمَا مِنْ الثِّيَابِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ وَتَفْصِيلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ رِبَا النَّسَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَا لَا يَجُوزُ.

فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ رَبُّ السَّلَمِ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ مَبِيعٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ فَكَانَ هُوَ بِالْإِبْرَاءِ مُتَصَرِّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ بِالْإِسْقَاطِ فَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِنَفْسِهِ بِالْإِبْرَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِوُجُودِ رُكْنِ الْحَوَالَةِ مَعَ شَرَائِطِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِهِ.

لِمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّ فِي الْحَوَالَةِ يَبْرَأُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَفِي الْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ، وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةً وَالْكَفَالَةَ لَيْسَتْ بِمُبَرِّئَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ الِاسْتِبْدَالُ مَعَ الْكَفِيلِ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ بِمَا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا بِدَيْنٍ آخَرَ؛ إذْ الدَّيْنُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَيَجُوزُ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَيَأْخُذُ بَدَلَ مَا أَدَّى إلَى رَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَانَتْ إقْرَاضًا وَاسْتِقْرَاضًا، كَأَنَّ الْكَفِيلَ أَقْرَضَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَاسْتِبْدَالُ الْقَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ، وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً، وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ أَيِّ دَيْنٍ كَانَ جَائِزٌ.

وَالْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا تَجُوزُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ:«مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثَرَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ إنَّمَا شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْعَاقِدَيْنِ دَفْعًا لِحَاجَةِ النَّدَمِ، وَاعْتِرَاضُ النَّدَمِ فِي السَّلَمِ هَهُنَا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِأَوْكَسِ الْأَثْمَانِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْإِقَالَةِ فِيهِ، ثُمَّ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ فِي كُلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِمَّا إنْ تَقَايَلَا فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ تَقَايَلَا فِي كُلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ لِمَا قُلْنَا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْإِقَالَةِ مُطْلَقٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ.

وَكَذَا جَوَازُ اعْتِرَاضِ النَّدَمِ قَائِمٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ هَالِكًا، أَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَالِكًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ ثَمَنٌ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَقِيَامُ الثَّمَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ إنَّمَا الشَّرْطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ، وَقَدْ وُجِدَ، ثُمَّ إذَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ قَائِمٌ فَعَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لِقَوْلِهِ:«مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ.

وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ هَالِكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>