للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَانٍ عَلَى مَا مَرَّ فَالْوَلَدُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالطَّرَفِ، وَلَوْ اسْتَغَلَّ الْوَلَدَ وَالْأَرْضَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْمَبِيعِ لَا تَكُونُ مَبِيعَةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ بِبَيْعِ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ حَابِسًا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى جَارِيَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَإِنَّ الْوَطْءَ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً، وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ لَهَا حَقِيقَةً فَاسْتِيفَاؤُهَا لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الذَّاتِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالْجُزْءِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِلْكِ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْأَبْضَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ فَبَقِيَتْ مَبِيعَةً حَقِيقَةً، وَوَطْءُ الثَّيِّبِ إنَّمَا مَنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا لَا لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ الِافْتِضَاضَ إزَالَةُ الْعُذْرَةِ وَهِيَ عُضْوٌ مِنْهَا فَكَانَ إتْلَافًا لِجُزْئِهَا فَأَشْبَهَ إتْلَافَ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ، وَلَوْ أَتْلَفَ مِنْهَا جُزْءًا آخَرَ لَكَانَ لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا نَسِيئَةً لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شُبْهَةَ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبِيعًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يُزَادُ لِمَكَانِ الْأَجَلِ فَكَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِالْبَيَانِ.

وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا صُلْحًا مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ سَامَحَ أَمْ لَا فَيَقَعُ التَّحَرُّزُ عَنْ التُّهْمَةِ وَمَبْنَى الشِّرَاءِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ لَا تُتَصَوَّرُ الْخِيَانَةُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ بَلْ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَبْطُلْ الشِّرَاءُ، وَلَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ لَبَطَلَ الشِّرَاءُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ لَا تَتَقَدَّرُ الْخِيَانَةُ كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْبَدَلِ الْمَذْكُورِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا بَعْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، فَاحْتَمَلَ تُهْمَةَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ فَوَجَبَ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ بِالْبَيَانِ.

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَرَقَمَهُ اثْنَيْ عَشَرَ فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الرَّقْمِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ جَازَ إذَا كَانَ الرَّقْمُ مَعْلُومًا وَالرِّبْحُ مَعْلُومًا وَلَا يَكُونُ خِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لَكِنْ لَا يَقُولُ: اشْتَرَيْته بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فِيهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ عَادَةَ التُّجَّارِ وَعِنْدَهُ أَنَّ الرَّقْمَ هُوَ الثَّمَنُ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَ مَالًا فَرَقَمَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَقْمِهِ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَطْرَحُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَبْقَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الطَّرْحِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ (وَأَمَّا) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ رَبِحَ فِيهَا أَوْ خَسِرَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى عَشَرَةٍ، وَلَوْ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْعُقُودَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ وَتَلَاشَتْ بِنَفْسِهَا وَحُكْمِهَا، فَأَمَّا الْعَقْدُ الْأَخِيرُ، فَحُكْمُهُ قَائِمٌ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَانَ هَذَا الْمُعْتَبَرُ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَنَّ الشِّرَاءَ الْأَخِيرَ كَمَا أَوْجَبَ مِلْكَ الثَّوْبِ فَقَدْ أَكَّدَ الرِّبْحَ وَهُوَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ فَإِذَا اشْتَرَى فَقَدْ خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ فَتَأَكَّدَ وَلِلتَّأَكُّدِ شُبْهَةُ الْإِثْبَاتِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ وَخَمْسَةُ الرِّبْحِ بِعَشَرَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِ الْكُلِّ، وَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لَهَا حُكْمُ الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ نَسِيئَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ نَقْدًا لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ احْتِرَازًا عَنْ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شُبْهَةَ أَنْ يُقَابِلَهُ الثَّمَنُ عَلَى مَا مَرَّ فَوَجَبَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِالْبَيَانِ كَذَا هَذَا فَإِذَا بَاعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>