للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيَاتِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ: لَا يَقْضِي بِهِ.

(وَمِنْهَا) : أَدَاءُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْمَالَ إلَى الْمُحَالِ، فَإِذَا أَدَّى الْمَالَ خَرَجَ عَنْ الْحَوَالَةِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا بَعْدَ انْتِهَاءِ حُكْمِهَا.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَهَبَ الْمُحَالُ الْمَالَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ وَيَقْبَلَهُ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ؛ فَيَرِثُهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْمَالِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الرُّجُوعِ فِي الْحَوَّالَةِ]

وَأَمَّا بَيَانُ الرُّجُوعِ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الرُّجُوعِ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّجُوعِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَرْجِعُ بِهِ أَمَّا شَرَائِطُهُ فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا) : أَنْ تَكُونَ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لَا يَرْجِعُ، بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ: إنَّ لَك عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا مِنْ الدَّيْنِ، فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ الطَّالِبُ؛ جَازَتْ الْحَوَالَةُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ صَارَ الْمُحَالُ مُمَلَّكًا الدَّيْنَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ؛ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُوجَدُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ فَلَا تَثْبُتُ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ.

(وَمِنْهَا) : أَدَاءُ مَالِ الْحَوَالَةِ، أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ - كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ - إذَا قَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَإِذَا وَرِثَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ؛ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ.

وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ حَقِّهِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ التَّمْلِيكِ إلَّا عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِالرَّدِّ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَقِيَ إسْقَاطًا مَحْضًا، فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ فَلَا يَرْجِعُ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، فَإِنْ كَانَ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ الْتَقَيَا قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ لَرَجَعَ الْمُحِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَلَا يُفِيدُ فَيَتَقَاصَّا الدَّيْنَيْنِ؛ فَبَطَلَ حَقُّ الرُّجُوعِ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَرْجِعُ بِهِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِالْمُحَالِ بِهِ لَا بِالْمُؤَدَّى، حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ دَرَاهِمَ، فَنَقَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ دَنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ، فَنَقَدَهُ دَرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ فَتَصَارَفَا؛ جَازَ، وَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الصَّرْفِ، حَتَّى لَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ شَرَطَا فِيهِ الْأَجَلَ، وَالْخِيَارُ يُبْطِلُ الصَّرْفَ، وَيَعُودُ الدَّيْنُ إلَى حَالِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ الْمُصَارَفَةُ؛ فَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَالِ الْحَوَالَةِ، لَا بِالْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ دَيْنَ الْحَوَالَةِ لَا الْمُؤَدَّى - بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ - لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ الدَّنَانِيرِ عَرَضًا؛ يَرْجِعُ بِمَالِ الْحَوَالَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ وَتَجَوَّزَ بِهَا الْمُحَالُ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِالْجِيَادِ؛ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ صَالَحَ الْمُحَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي؛ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ فَيَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ، بِأَنْ صَالَحَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى دَنَانِيرَ، أَوْ عَلَى مَالٍ آخَرَ؛ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِكُلِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْحَقِّ مُعَاوَضَةً، وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ عِوَضًا عَلَى كُلِّ الدَّيْنِ.

وَلَوْ قَبَضَ الْمُحَالُ مَالَ الْحَوَالَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَا؛ فَقَالَ الْمُحِيلُ: لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَنْتَ وَكِيلِي فِي الْقَبْضِ، وَالْمَقْبُوضُ لِي، وَقَالَ الْمُحَالُ: لَا بَلْ أَحَلْتنِي بِأَلْفٍ كَانَتْ لِي عَلَيْك: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

[بَيَان مَعْنَى التوكيل]

(كِتَابُ الْوَكَالَةِ)

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّوْكِيلِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَفِي بَيَانِ، رُكْنِ التَّوْكِيلِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي حُكْمِ التَّوْكِيلِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ:.

فَالتَّوْكِيلُ:.

إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَةُ فِي اللُّغَةِ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا: الْحِفْظُ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] أَيْ الْحَافِظُ، وَقَالَ ﵎: ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [المزمل: ٩] قَالَ الْفَرَّاءُ أَيْ حَفِيظًا، وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا: الِاعْتِمَادُ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: ١٢] ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى ﷿ خَبَرًا عَنْ سَيِّدِنَا هُودٍ ﵊: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ [هود: ٥٦] أَيْ اعْتَمَدْتُ عَلَى اللَّهِ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْهِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَيْضًا عَلَى تَقْرِيرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ، وَالْحِفْظِ إلَى الْوَكِيلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ " وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا " أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>