للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمْنِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَيَرْجِعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا قَبْلَ الْعَزْلِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يَصِحَّ لِانْعِدَامِ شَرْطِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ.

وَالثَّانِي - أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ الْعَزْلُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ إبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَهُوَ كَمَنْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَجَعَلَ الْمُرْتَهَنَ أَوْ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ، وَقَبْضِ ثَمَنِهِ عِنْدَ حِلِّ الْأَجَلِ، فَعَزَلَ الرَّاهِنُ الْمُسَلَّطَ عَلَى الْبَيْعِ، لَا يَصِحُّ بِهِ عَزْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعِي، فَعَزَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي، لَا يَنْعَزِلُ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ غَابَ ثُمَّ عَزَلَهُ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ غَابَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْمَرْأَةِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الطَّلَاقِ وَلَا عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ.

وَلَوْ وَكَّلَ وَكَالَةً غَيْرُ جَائِزٍ الرُّجُوعُ، يَعْنِي بِالْفَارِسِيَّةِ وَكِيلِي دماركست، هَلْ يَمْلِكُ عَزْلَهُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَكَّلَهُ وَكَالَةً ثَابِتَةً غَيْرُ جَائِزٍ الرُّجُوعُ عَنْهَا، فَقَدْ أَلْحَقَ حُكْمَ هَذَا التَّوْكِيلِ بِالْأَمْرِ، ثُمَّ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ إلَى رَجُلٍ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ أَمْرَ عَبْدِهِ إلَى رَجُلٍ يُعْتِقُهُ مَتَى شَاءَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي - إنْ شِئْتَ أَوْ أَعْتِقْ عَبْدِي إنْ شِئْتَ - لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ يَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَمْلِكُ الْعَزْلَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، بَلْ هِيَ إبَاحَةٌ، وَلِلْمُبِيحِ حَقُّ الْمَنْعِ عَنْ الْمُبَاحِ.

وَلَوْ قَالَ وَقْتَ التَّوْكِيلِ: كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً فَعَزَلَهُ يَنْعَزِلُ، وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا ثَانِيًا وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً كَمَا شَرَطَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ.

وَلَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: كُنْتُ وَكَّلْتُكَ وَقُلْتُ لَكَ: كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ وَقَدْ عَزَلْتُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ التَّوْكِيلَ بِشَرْطٍ ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ، وَلَا يَصِيرُ وَكِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي التَّوْكِيلِ الْمُعَلَّقِ: لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْعَزْلَ فِي الْمُرْسَلِ فَفِي الْمُعَلَّقِ أَوْلَى.

(وَمِنْهَا) مَوْتُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ بِالْمَوْتِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِمَوْتِهِ أَمْ لَا (وَمِنْهَا) جُنُونُهُ جُنُونًا مُطْبِقًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْمُطْبِقَ مُبْطِلٌ لِأَهْلِيَّةِ الْآمِرِ.

وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي حَدِّ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ فَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ، وَمُحَمَّدٌ بِمَا يَسْتَوْعِبُ الْحَوْلَ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسْتَوْعِبَ لِلْحَوْلِ هُوَ الْمُسْقِطُ لِلْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ أَدْنَى مَا يَسْقُطُ بِهِ عِبَادَةُ الصَّوْمِ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى.

(وَمِنْهَا) : لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ، فَكَانَتْ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ مَوْقُوفَةً أَيْضًا، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُوَكِّلُ نَفَذَتْ.

وَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، بَطَلَتْ.

وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ، فَكَذَا الْوَكَالَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ، فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ إجْمَاعًا.

لِأَنَّ رِدَّةَ الْمَرْأَةِ لَا تَمْنَعُ نَفَاذَ تَصَرُّفِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ النَّفَاذُ وَهُوَ الْمِلْكُ.

(وَمِنْهَا) عَجْزُ الْمُوَكِّلِ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ بِأَنْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا، فَعَجِزَ الْمُوَكِّلُ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ الْمَأْذُونُ إنْسَانًا، فَحُجِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ آمِرِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَيَبْطُلُ الْأَمْرُ، فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

(وَمِنْهَا) مَوْتُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُبْطِلٌ لِأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ (وَمِنْهَا) جُنُونُهُ الْمُطْبِقُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ مَوْقُوفًا فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا زَالَ التَّوَقُّفُ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ أَصْلًا.

وَإِنْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا هَلْ تَعُودُ الْوَكَالَةُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَعُودُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعُودُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ نَفْسَ الرِّدَّةِ لَا تُنَافِي الْوَكَالَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ قَبْلَ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ؟ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِتَعَذُّرِ التَّنْفِيذِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ.

فَإِذَا عَادَ زَالَ الْمَانِعُ، فَيَجُوزُ، وَنَظِيرُهُ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ بِالْكُوفَةِ، فَلَمْ يَبِعْهُ فِيهَا حَتَّى خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ، لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِالْبَصْرَةِ، ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى الْكُوفَةِ مَلَكَ بَيْعَهُ فِيهَا، كَذَا هَذَا.

(وَجْهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>