للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَضَى الْعَقْدِ.

وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ، فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ سَوَاءٌ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَمَلِهِ مَعَهُ شَرْطُ بَقَاءِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ، وَإِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ.

وَلَوْ سَلَّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ، ثُمَّ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِضَاعَةً جَازَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ لَا تُوجِبُ خُرُوجَ الْمَالِ عَنْ يَدِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ لَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ؛ لِتَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ، حَتَّى إنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً، وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ يَدَ الصَّغِيرِ بَاقِيَةٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَتَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ، أَوْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً، وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ فِيهِ مِلْكًا فَيُمْنَعُ التَّسْلِيمُ.

(فَأَمَّا) الْعَاقِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ فَشَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمَالِكِ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ، كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً، وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا جَازَ، فَكَذَا إذَا شَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَ الْمُضَارِبِ وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمَالِكِ مُضَارَبَةً، فَشَرَطَ عَمَلَهُ، فَسَدَ الْعَقْدُ، كَالْمَأْذُونِ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا رَقَبَةَ الْمَالِ فَيَدُ التَّصَرُّفِ ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ، فَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَأْذُونُ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكُ لِلْمَالِ حَقِيقَةً، فَإِذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَقَدْ وَجَدَ يَدَ الْمَالِكِ فَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ Object لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ هَذَا الْمَالِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ.

(وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إكْسَابَ مُكَاتَبِهِ، وَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ مَالًا مُضَارَبَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْمُضَارِبُ مَعَهُ أَوْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ، فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمُضَارِبِ وَالْمِلْكَ لِلْمَوْلَى، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُضَارِبِ: إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ، وَالْمُضَارَبَةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا جَائِزَةٌ، وَالرِّبْحُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى مَا شَرَطَا فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، وَلَا أَجْرَ لِرَبِّ الْمَالِ.

(وَأَمَّا) فَسَادُ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ يَدَ رَبِّ الْمَالِ يَدُ مِلْكٍ، وَيَدُ الْمِلْكِ مَعَ يَدِ الْمُضَارِبِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ، وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ Object فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيُّ خِلَافًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ Object تَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ زَوَالَ يَدِ رَبِّ الْمَالِ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، فَكَانَتْ إعَادَةُ يَدِهِ إلَيْهِ مُفْسِدَةً لَهَا.

(وَلَنَا) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَصِيرُ مُعِينًا لِلْمُضَارِبِ، وَالْإِعَانَةُ لَا تُوجِبُ إخْرَاجَ الْمَالِ عَنْ يَدِهِ، فَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، وَلَا أَجْرَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الرِّبْحِ فَأَنْوَاعٌ.

(مِنْهَا) إعْلَامُ مِقْدَارِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرِّبْحُ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الرِّبْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الرِّبْحِ جَازَ ذَلِكَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ النَّصِيبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الأحقاف: ٤] أَيْ نَصِيبٌ.

وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ [سبأ: ٢٢] أَيْ نَصِيبٍ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ، وَالنَّصِيبُ مَجْهُولٌ فَصَارَ الرِّبْحُ مَجْهُولًا.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشِّرْكَ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ، يُقَالُ: شَرَكْتُهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَشْرَكُهُ شِرْكَةً وَشِرْكًا قَالَ الْقَائِلُ:

وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي بَقَاهَا … وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ

وَيُذْكَرُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي الْحَمْلِ عَلَى الشَّرِكَةِ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ جُزْءًا شَائِعًا، نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا، فَإِنْ شَرَطَا عَدَدًا مُقَدَّرًا بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>