للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَقْوَامًا مِنْ الزُّطِّ بِالْعِرَاقِ قَالَ: مَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهَؤُلَاءِ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ رَأَيْتُهُمْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُ، وَأَنَّ عَلْقَمَةَ قَالَ: وَدِدْنَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي خَاطَبَ فِيهَا الْجِنَّ أَيْ لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُ وَقْتَ خِطَابِهِ الْجِنَّ، وَوَدِدْنَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَقْتَ مَا خَاطَبَ الْجِنَّ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ الِاغْتِسَالِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الِاغْتِسَالِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ نَبِيذِ التَّمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ، وَهُوَ أَنْ يُلْقَى شَيْءٌ مِنْ التَّمْرِ فِي الْمَاءِ فَتَخْرُجُ حَلَاوَتُهُ إلَى الْمَاءِ،، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ فِي تَفْسِيرِ نَبِيذِ التَّمْرِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ: تُمَيْرَاتٌ أَلْقَيْتُهَا فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَطْرَحُ التَّمْرَ فِي الْمَاءِ الْمِلْحِ لِيَحْلُوَ، فَمَا دَامَ حُلْوًا رَقِيقًا، أَوْ قَارِصًا يُتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ غَلِيظًا كَالرُّبِّ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ رَقِيقًا لَكِنَّهُ غَلَا، وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْكِرًا، وَالْمُسْكِرُ حَرَامٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيذَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَ رَقِيقًا حُلْوًا، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْغَلِيظُ، وَالْمُرُّ، هَذَا إذَا كَانَ نِيئًا، فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا أَدْنَى طَبْخَةٍ فَمَا دَامَ حُلْوًا أَوْ قَارِصًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ غَلَا، وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْكَرْخِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ.

وَعَلَى قَوْلِ أَبِي طَاهِرٍ لَا يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ اسْمَ النَّبِيذِ كَمَا يَقَعُ عَلَى النِّيءِ مِنْهُ يَقَعُ عَلَى الْمَطْبُوخِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ الْمَائِعَاتُ الطَّاهِرَةُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إذَا كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، وَهَهُنَا أَجْزَاءُ الْمَاءِ غَالِبَةٌ عَلَى أَجْزَاءِ التَّمْرِ فَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي طَاهِرٍ أَنَّ الْجَوَازَ عُرِفَ بِالْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي النِّيءِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيذِ فَقَالَ: تُمَيْرَاتٌ أَلْقَيْتُهَا فِي الْمَاءِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إنَّ الْمَائِعَ الطَّاهِرَ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ لَا يَمْنَعُ التَّوَضُّؤَ بِهِ " فَنَعَمْ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ أَصْلًا فَأَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا، وَهَهُنَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمِ، وَاللَّوْنِ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءِ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ إلَى الصَّوَابِ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي شُرْبِهِ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ كَمَا يَجُوزُ شُرْبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَأَبُو يُوسُفَ فَرَقَّ بَيْنَ الْوُضُوءِ، وَالشُّرْبِ فَقَالَ: يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّوَضُّؤَ بِالنِّيءِ الْحُلْوِ مِنْهُ، فَبِالْمَطْبُوخِ الْمُرِّ أَوْلَى

وَأَمَّا نَبِيذُ الزَّبِيبِ، وَسَائِرُ الْأَنْبِذَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِالْأَنْبِذَةِ كُلِّهَا نِيئًا كَانَ النَّبِيذُ أَوْ مَطْبُوخًا، حُلْوًا كَانَ أَوْ مُرًّا قِيَاسًا عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْجَوَازَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الْجَوَازَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا الْجَوَازَ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ خَاصَّةً فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ طَاهِرًا، فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمَّى الْوُضُوءَ طَهُورًا، وَطَهَارَةً بِقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» وَقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ» ، وَيَسْتَحِيلُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَالْمَاءُ النَّجِسُ مَا خَالَطَهُ النَّجَاسَةُ، وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ الْقَدْرِ الَّذِي يُخَالِطُ الْمَاءَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيُنَجِّسُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ طَهُورًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ» ، وَالطَّهُورُ اسْمٌ لِلطَّاهِرِ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرِ لِغَيْرِهِ.

فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَيَجُوزُ بِالْمَاءِ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكُ فِي طَهُورِيَّتِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي طَهَارَتِهِ، وَسَنُفَسِّرُهُ، وَنَسْتَوْفِي الْكَلَامَ فِيهِ إذَا انْتَهَيْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْأَسْآرِ عِنْدَ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْأَنْجَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَأَمَّا) النِّيَّةُ فَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرَائِطِ، وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>