للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفَعَ مُرْتَدٌّ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً إلَى مُسْلِمٍ أَمَّا إذَا دَفَعَ مُسْلِمٌ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً إلَى مُرْتَدٍّ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَيْضًا: إمَّا أَنْ دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ جَمِيعًا أَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ دُونَ الْبَذْرِ، فَإِنْ دَفَعَهُمَا جَمِيعًا مُزَارَعَةً فَعَمِلَ الْمُرْتَدُّ فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عَلَى الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ لَا لِعَيْنِ رِدَّتِهِ بَلْ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعَمَلُ الْمُرْتَدِّ هَهُنَا لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي مَالِهِ بَلْ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيفَاءِ الْمَانِعِ، وَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي نَفْسِهِ فَصَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فَكَانَ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ دَفَعَ الْأَرْضَ دُونَ الْبَذْرِ فَعَمِلَ الْمُرْتَدُّ بِبَذْرِهِ وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا.

فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ، وَلَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ لِلْحَالِ فَلَمْ تَنْفُذْ مُزَارَعَتُهُ فَكَانَ الْخَارِجُ حَادِثًا عَلَى مِلْكِهِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَ مِلْكِهِ فَكَانَ لِوَرَثَتِهِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَارِجَ مِنْ أَكْسَابِ رِدَّتِهِ، وَكَسْبُ الرِّدَّةِ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ؟ (وَالْجَوَابُ) : أَنَّهُ حِينَ بَذَرَ كَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْبَذْرِ؛ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، فَالْحَاصِلُ مِنْهُ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِمْ فَلَا يَكُونُ كَسْبَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ يَعْتَمِدُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ إذْ الْمُزَارَعَةُ حَصَلَتْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَسْلَمَ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ أَوْ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَ مُرْتَدٍّ وَمُسْلِمٍ (فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّا أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ صَحَّ التَّصَرُّفُ فَاعْتِرَاضُ الرِّدَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُبْطِلُهُ.

(وَأَمَّا) الْمُرْتَدَّةُ فَتَصِحُّ مُزَارَعَتُهَا دَفْعًا وَاحِدًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهَا نَافِذَةٌ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمَةِ فَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ مِنْهَا دَفْعًا وَاحِدًا بِمَنْزِلَةِ مُزَارَعَةِ الْمُسْلِمَةِ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الزَّرْعِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الزَّرْعِ فَنَوْعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِأَنْ بَيَّنَ مَا يَزْرَعُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَزْرُوعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الْأَرْضِ، وَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُهَا، وَقَدْ يَقِلُّ النُّقْصَانُ، وَقَدْ يَكْثُرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ؛ لِيَكُونَ لُزُومُ الضَّرَرِ مُضَافًا إلَى الْتِزَامِهِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْتَ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ الزَّرْعُ دُونَ الْغَرْسِ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ، وَهُوَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الْعَمَلُ بِالزِّيَادَةِ بِمَجْرَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْعَمَلُ بِالزِّيَادَةِ عَادَةً لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ عَمَلُ الزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ قَدْ اسْتَحْصَدَ مُزَارَعَةً لَمْ يَجُزْ كَذَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا اسْتَحْصَدَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَمَلُ الزِّرَاعَةِ بِالزِّيَادَةِ، فَلَا يَكُونُ قَابِلًا لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْخَارِجِ مِنْ الزَّرْعِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْخَارِجِ مِنْ الزَّرْعِ فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ اسْتِئْجَارٌ، وَالسُّكُوتُ عَنْ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ (وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ لَهُمَا حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لِأَحَدِهِمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرِكَةِ لَازِمٌ لِهَذَا الْعَقْدِ، وَكُلُّ شَرْطٍ يَكُونُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ (وَمِنْهَا) : أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُزَارِعَيْنِ بَعْضَ الْخَارِجِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ بِهِ تَنْفَصِلُ عَنْ الْإِجَارَةِ الْمُطْلَقَةِ (وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْخَارِجِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مِنْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّقْدِيرِ يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ وَلِهَذَا شُرِطَ بَيَانُ مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَاتِ كَذَا هَذَا (وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ إجَارَةً ثُمَّ تَتِمُّ شَرِكَةً.

(أَمَّا) مَعْنَى الْإِجَارَةِ فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، وَالْمُزَارَعَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَالْعَامِلُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ بِعِوَضٍ، وَهُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَرَبُّ الْأَرْضِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ مِنْ الْعَامِلِ بِعِوَضٍ هُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، فَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ اسْتِئْجَارًا، إمَّا لِلْعَامِلِ، وَإِمَّا لِلْأَرْضِ، لَكِنْ بِبَعْضِ الْخَارِجِ.

وَأَمَّا مَعْنَى الشَّرِكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>