للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ بِالتَّعْرِيجِ، كَمَا إذَا حَفَرَ نَهْرًا فِي أَرْضِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّجَ الْمَاءَ إلَيْهِ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَى النَّهْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَنْصِبَ دَالِيَةً أَوْ سَانِيَةً فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَضَعَ قَنْطَرَةً عَلَى هَذَا النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَنْطَرَةَ تَصَرُّفٌ فِي حَافَّتَيْ النَّهْرِ وَفِي هَوَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَهُ خَمْسُ كُوًى مِنْ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ وَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَرْضٌ فِي أَعْلَى النَّهْرِ وَلِلْآخَرِ أَرْضٌ فِي أَسْفَلِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَعْلَى أَنْ يَسُدَّ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْكُوَى لِمَا يُدْخِلُ مِنْ الضَّرَرِ فِي أَرْضِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ شَرِيكُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِضْرَارِ غَيْرِهِ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَهَايَآ حَتَّى يَسُدَّ فِي حِصَّتِهِ مَا شَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ لَمَا قُلْنَا، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ بَدَا لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُضَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَاضَاةَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ تَكُونُ مُهَايَأَةً وَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَهُ كُوًى فَأَضَافَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ إلَيْهَا كُوَّةً وَحَفَرَ نَهْرًا مِنْهُ إلَى أَرْضِهِ بِرِضًا مِنْهُمَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْقُضَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَكُونُ لَازِمَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِمَا أَنْ يَنْقُضُوا ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنْ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ وَلِكُلِّ رَجُلٍ نَهْرٌ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ كُوَّتَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثُ كُوًى فَقَالَ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى: إنَّكُمْ تَأْخُذُونَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِكُمْ؛ لِأَنَّ دَفْعَةَ الْمَاءِ وَكَثْرَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ وَلَا يَأْتِينَا إلَّا وَهُوَ قَلِيلٌ فَأَرَادُوا الْمُهَايَأَةَ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ وَالنَّهْرُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ لَا فِي نَفْسِ الْمَاءِ.

وَلَوْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُوَسِّعَ كُوَّةَ نَهْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا الْمَاءَ زَائِدًا عَلَى حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ.

وَلَوْ حَفَرَ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ جَازَ.

وَلَوْ زَادَ فِي عَرْضِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكُوَى مِنْ حُقُوقِ النَّهْرِ فَيَمْلِكُهُ بِمِلْكِ النَّهْرِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَرْضِ، وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنْ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ بَيْنَ قَوْمٍ فَخَافُوا أَنْ يَنْبَثِقَ فَأَرَادُوا أَنْ يُحَصِّنُوهُ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ضَرَرًا عَامًّا يُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يُحَصِّنُوهُ بِالْحِصَصِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ لَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَعَذَّرٌ عِنْدَ عُمُومِ الضَّرَرِ، فَكَانَ الْجَبْرُ عَلَى التَّحْصِيصِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَجَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ عَامًّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّهْرِ فَكَانَ الْجَبْرُ بِالتَّحْصِيصِ جَبْرًا عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّهْرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ مُلَاصِقٌ لِأَرْضِ رَجُلٍ فَاخْتَلَفَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالنَّهْرِ فِي مُسَنَّاةٍ فَالْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا طِينَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهَا.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمًا لِنَهْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا وَيُلْقِيَ طِينَهُ وَيَجْتَازَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلَاصِقًا بَلْ كَانَ بَيْنَ النَّهْرِ وَالْأَرْضِ حَائِلٌ مِنْ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ كَانَتْ الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا بَنَوْا هَذَا الِاخْتِلَافَ عَلَى أَنَّ النَّهْرَ هَلْ لَهُ حَرِيمٌ أَمْ لَا؟ بِأَنْ حَفَرَ رَجُلٌ نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَرِيمَ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ حَرِيمٌ.

(وَوَجْهُ) الْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمَّا كَانَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَهُمَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُصَحِّحُوا الْبِنَاءَ.

وَقَالُوا: لَا خِلَافَ أَنَّ لِلنَّهْرِ حَرِيمًا فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ لِلْبِئْرِ وَالْعَيْنِ حَرِيمًا بِمَا فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ رَوَى أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمَا حَرِيمًا لِحَاجَتِهِمَا إلَى الْحَفْرِ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِدُونِ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ النَّهْرِ إلَى الْحَرِيمِ كَحَاجَةِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بَلْ أَشَدَّ فَكَانَ جَعْلُ الشَّرْعِ لِلْبِئْرِ وَالْعَيْنِ حَرِيمًا جَعْلًا لِلنَّهْرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، دَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَانَ هَذَا خِلَافًا مُبْتَدَأً.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسَنَّاةَ إذَا كَانَتْ مُسْتَوِيَةً بِالْأَرْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ، إذْ لَوْ كَانَتْ حَرِيمًا لِلنَّهْرِ لَكَانَتْ مُرْتَفِعَةً لِكَوْنِهَا مَلْقَى طِينِهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ هَدْمَهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ صَاحِبِ النَّهْرِ بِهَا، وَفِي الْهَدْمِ إبْطَالُهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَحَائِطٍ لِإِنْسَانٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا هَذَا، ثُمَّ كَرْيُ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ وَلَيْسَ عَلَى أَصْحَابِ الشَّفَةِ فِي الْكَرْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>