للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلَيْنِ ثَلَاثُونَ مِنْهُ رَدِيئَةً وَعَشَرَةٌ مِنْهُ جَيِّدَةً قِيمَتُهَا سَوَاءٌ فَأَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا ثَلَاثِينَ وَالْآخَرُ عَشَرَةً أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِتَمَكُّنِ الرِّبَا فِيهِ لَتَحَقُّقِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.

وَلَوْ زَادَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ صَارَتْ مُقَابِلَةً بِالثَّوْبِ، فَزَالَ مَعْنَى الرَّبَّا وَقَالَ فِي زَرْعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُمَا فَأَرَادَا قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ، وَقَدْ سَنْبَلَ الزَّرْعُ: إنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَفَةِ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَفَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ لِرَجُلَيْنِ، أَوْ أَوْصَى بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لَهُمَا، لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ؛ لِأَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا يَحْتَمِلَانِ الْقِسْمَةَ مُجَازَفَةً، كَمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْبَيْعَ مُجَازَفَةً، وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ يَدْخُلُ فِي نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَدْخُلُ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، لَا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا.

وَلَوْ اشْتَرَيَا دَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهَا، لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِينَ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَ النَّوْعَانِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَا لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْمُبَادَلَةُ فِي الْآخَرِ، بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الْمَذْكُورِ ثَمَنًا فِي الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْمَذْكُورِ ثَمَنًا فِي الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ شَيْءٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ.

وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فَلَا، كَمَا إذَا اشْتَرَى كُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْكُرِّ كَذَا هُنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الثَّمَنِ شَرْعًا فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَوَّلِ ثَمَنٍ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ، وَهُوَ الْخَمْسُونَ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ ثَمَنُ الْقِسْمَةِ - وَزِيَادَةُ شَيْءٍ بِأَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ مِنْ شَرِيكِهِ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ مَثَلًا، كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِدَارٍ، أَوْ اشْتَرَى كُرَّ حِنْطَةٍ بِثَوْبٍ، فَأَمْكَنَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِينَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً، أَوْ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ بِرِبْحِ دَهٍ يازده لَا يَجُوزُ؛ لِمَعْنًى عُرِفَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الْقِسْمَةِ وبعضها يرجع إلَى الْقَاسِم]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْقَاسِمِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ لَهُ.

(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَاسِمِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَنَوْعٌ: هُوَ شَرْطُ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْعَقْلُ، فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ حَتَّى تَجُوزَ قِسْمَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقِسْمَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ، فَتَجُوزُ قِسْمَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ، فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ بِدُونِهِمَا أَمَّا الْمِلْكُ فَالْمَعْنِيُّ بِهِ: أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ مَالِكًا فَيَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ بِالتَّرَاضِي.

وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَنَوْعَانِ: وِلَايَةُ قَضَاءٍ، وَوِلَايَةُ قَرَابَةٍ، إلَّا أَنَّ شَرْطَ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ الطَّلَبُ، فَيَقْسِمُ الْقَاضِي وَأَمِينُهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، عِنْدَ طَلَبِ الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْقَرَابَةِ، فَيَقْسِمُ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ، وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ، عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ، مِنْ غَيْرِ طَلَبِ أَحَدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فَلَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَلِهَؤُلَاءِ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فَكَانَتْ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا الْقَاضِي لَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

(وَأَمَّا) وَصِيُّ الْأُمِّ وَوَصِيُّ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَيَقْسِمُ الْمَنْقُولَ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ، وَفِي وَصِيِّ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَنَّهُ هَلْ يَقْسِمُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُقَرِّرُ مَا قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَازِمٌ فِي الْقِسْمَةِ، حَيْثُ جَعَلَ سَبِيلَهُ سَبِيلَ الْبَيْعِ فِي الْوِلَايَةِ، وَلَا يَقْسِمُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَقْسِمُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ؛ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَقْسِمُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ؛ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَقْسِمُونَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا وَهُوَ غَائِبٌ نُقِضَتْ قِسْمَتُهُمْ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>