للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو يُوسُفَ: أَقْطَعُهُمَا جَمِيعًا.

(أَمَّا) عَدَمُ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى الدَّاخِلِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ فَلِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ، وَنَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ لَمْ يُقْطَعْ، فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِخْرَاجِ أَوْلَى، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْخَارِجِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ السَّارِقَ إذَا نَقَبَ مَنْزِلًا، وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ هَلْ يُقْطَعُ؟ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ: " أَقْطَعُ وَلَا أُبَالِي دَخَلَ الْحِرْزَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ "، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَقَبَ وَدَخَلَ، وَجَمَعَ الْمَتَاعَ عِنْدَ النَّقْبِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَرَفَعَ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الرُّكْنَ فِي السَّرِقَةِ هُوَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ، فَأَمَّا الدُّخُولُ فِي الْحِرْزِ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الصُّنْدُوقِ، أَوْ فِي الْجَوَالِقِ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا كَانَ اللِّصُّ ظَرِيفًا لَمْ يُقْطَعْ قِيلَ: وَكَيْفَ يَكُونُ ظَرِيفًا؟ قَالَ: يُدْخِلُ يَدَهُ إلَى الدَّارِ وَيُمْكِنُهُ دُخُولُهَا "، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَيَكُونَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ بِهِ تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ، وَلَا يَتَكَامَلُ الْهَتْكُ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الدُّخُولُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْأَخْذِ مِنْ الصُّنْدُوقِ، وَالْجَوَالِقِ؛ لِأَنَّ هَتْكَهُمَا بِالدُّخُولِ مُتَعَذَّرٌ، فَكَانَ الْأَخْذُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهَا هَتْكًا مُتَكَامِلًا فَيُقْطَعُ وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ إلَى السَّاحَةِ: لَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ اخْتِلَافِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ، وَاحِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ لِصَاحِبِ الدَّارِ احْفَظْ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَ فِي بَيْتٍ آخَرَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ.

وَكَذَا إذَا أَذِنَ لِإِنْسَانٍ فِي دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا فَسَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ دَلَّ أَنَّ الدَّارَ مَعَ اخْتِلَافِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ، وَاحِدٌ فَلَمْ يَكُنْ الْإِخْرَاجُ إلَى صَحْنِ الدَّارِ إخْرَاجًا مِنْ الْحِرْزِ، بَلْ هُوَ نَقْلٌ مِنْ بَعْضِ الْحِرْزِ إلَى الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ النَّقْلِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ أُخْرَى، هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَعَ بُيُوتِهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ مَنْزِلٍ فِيهَا لِرَجُلٍ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى السَّاحَةِ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ، فَكَانَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ إخْرَاجًا مِنْ الْحِرْزِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ حُجَرٌ، وَمَقَاصِيرُ فَسَرَقَ مِنْ مَقْصُورٍ مِنْهَا وَخَرَجَ بِهِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ مِنْهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ، فَكَانَ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا إخْرَاجًا مِنْ الْحِرْزِ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ.

وَلَوْ نَقَبَ رَجُلَانِ، وَدَخَلَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَخْرَجَ الْمَتَاعَ فَلَمَّا خَرَجَ بِهِ إلَى السِّكَّةِ حَمَلَاهُ جَمِيعًا يُنْظَرُ: إنْ عُرِفَ الدَّاخِلُ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّارِقُ لِوُجُودِ الْأَخْذِ وَالْإِخْرَاجِ مِنْهُ، وَيُعَزَّرُ الْخَارِجُ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الدَّاخِلُ مِنْهُمَا لَمْ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ مَجْهُولٌ، وَيُعَزَّرَانِ: أَمَّا الْخَارِجُ فَلِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَلِارْتِكَابِهِ جِنَايَةً لَمْ يُسْتَوْفَ فِيهَا الْحَدُّ لِعُذْرٍ فَتَعَيَّنَ التَّعْزِيرُ، وَلَوْ نَقَبَ بَيْتَ رَجُلٍ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ مُكَابَرَةً لَيْلًا حَتَّى سَرَقَ مِنْهُ مَتَاعَهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدَ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَاءِ مِنْ الْمَالِكِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُ بِاللَّيْلِ؛ لِكَوْنِهِ وَقْتَ نَوْمٍ، وَغَفْلَةٍ فَتَحَقَّقَتْ السَّرِقَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ جَمَاعَةٌ مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ، وَيَأْخُذُوا مَتَاعًا وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ وَاحِدٍ، وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ: فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْطَعَ إلَّا الْحَامِلُ خَاصَّةً، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْطَعُونَ جَمِيعًا.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ: أَنَّ رُكْنَ السَّرِقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ، وَذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُعِينٌ لَهُ، وَالْحَدُّ يَجِبُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لَا عَلَى الْمُعِينِ كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْإِخْرَاجَ حَصَلَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِخْرَاجِ إلَّا بِإِعَانَةِ الْبَاقِينَ وَتَرَصُّدِهِمْ لِلدَّفْعِ، فَكَانَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْكُلِّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.

وَلِهَذَا أُلْحِقَ الْمُعِينُ بِالْمُبَاشِرِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْغَنِيمَةِ كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَامِلٌ لَهُمْ فَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمَتَاعَ عَلَى حِمَارٍ، وَسَاقُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْ الْحِرْزِ؛ وَلِأَنَّ السَّارِقَ لَا يَسْرِقُ وَحْدَهُ عَادَةً، بَلْ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَمِنْ عَادَةِ السُّرَّاقِ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ بِالْجَمْعِ وَالْإِخْرَاجِ، بَلْ يَرْصُدُ الْبَعْضُ، فَلَوْ جُعِلَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ لَانْسَدَّ بَابُ الْقَطْعِ، وَانْفَتَحَ بَابُ السَّرِقَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا أُلْحِقَتْ الْإِعَانَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِط رُكْنِ السَّرِقَةِ وبعضها يرجع إلَى السَّارِق]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى السَّارِقِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>