للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأَ الْأُولَى وَسَجَدَ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَعَادَهَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى فِي الرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِإِعَادَةٍ وَلَوْ كَانَ إعَادَةً لَمَا لَزِمَهُ أُخْرَى.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ إعَادَةٌ لِلْأُولَى مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ تِلْكَ الْآيَةِ وَلَيْسَتْ بِإِعَادَةٍ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ؛ لِأَنَّ وَصْفَ كَوْنِهَا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُولَى وَوُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ حُكْمًا لِبَقَاءِ حُكْمِهَا وَهُوَ وُجُوبُ السَّجْدَةِ فَإِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً، وَالثَّانِيَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ تَكْرَارٌ لِلْأُولَى فَجُعِلَتْ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ كَأَنَّهَا عَيْنُ الْأُولَى فَبَقِيَتْ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لِلتِّلَاوَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلْأُولَى لِصَيْرُورَةِ الثَّانِيَةِ عَيْنَ الْأَوْلَى فَتَصِيرُ صِفَتُهَا صِفَةَ تِلْكَ فَصَارَتْ هِيَ أَيْضًا مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَلَا تُؤَدَّى خَارِجَ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَجَدَ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ حُكْمًا بَلْ انْقَضَتْ بِنَفْسِهَا وَحُكْمِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ وَصْفُ الثَّانِيَةِ وَصْفًا لِلْأُولَى فَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ إعَادَةً مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ ابْتِدَاءً مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فَتَجِبُ سَجْدَةٌ أُخْرَى مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ وَلَا تَجِبُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جَانِبُ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَتْبُوعُ لِمَا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْوُجُوبِ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْوَصْفِ فَوَجَبَتْ سَجْدَةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْوَصْفِ مُوجِبٌ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِمَانِعٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ فَلَمْ يَقَعْ التَّعَارُضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ سَجْدَةً فِي رَكْعَةٍ وَسَجَدَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ فَقَرَأَ تِلْكَ السَّجْدَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ ابْتِدَاءُ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَدَاءٌ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَسْجُدُوهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا مُتَابَعَتَهُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَرَءُوا أَوْ سَمِعُوا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَتَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا تَجِبُ عَلَى السَّامِعِ بِتِلَاوَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْمَجْنُونَ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ مِنْهُمْ صَحِيحَةٌ كَتِلَاوَةِ الْمُؤْمِنِ وَالْبَالِغِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ وَالْمُتَطَهِّرُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّجْدَةِ بِقَلِيلِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مَا دُونَ آيَةٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ النَّهْيُ فَيُنْظَرُ إلَى أَهْلِيَّةِ التَّالِي وَأَهْلِيَّتِهِ بِالتَّمْيِيزِ وَقَدْ وُجِدَ فَوُجِدَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ فَتَجِبُ السَّجْدَةُ بِخِلَافِ السَّمَاعِ مِنْ الْبَبْغَاءِ وَالصَّدَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتِلَاوَةٍ وَكَذَا إذَا سَمِعَ مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ جَوَازِ السَّجْدَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَطَهَارَةِ النَّجِسِ وَهِيَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَمَكَانِ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَهُوَ.

شَرْطُ جَوَازِ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِسَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ ثَمَّةَ مَاءً أَوْ يَكُونَ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صَيْرُورَةِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ خَشْيَةُ الْفَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ حَالَ الِاخْتِيَارِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ كَمَا فِي سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَسَجَدَ إلَى جِهَةٍ فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّحَرِّي إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ جَائِزَةٌ فَالسَّجْدَةُ أَوْلَى.

وَلَوْ تَلَاهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَوْ تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ أَجْزَأَهُ الْإِيمَاءُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالنَّذْرِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَذَا هَذَا.

(وَلَنَا) أَنَّ التِّلَاوَةَ أَمْرٌ دَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ فِي اشْتِرَاطِ النُّزُولِ حَرَجٌ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالنَّذْرِ، وَمَا وَجَبَ مِنْ السَّجْدَةِ فِي الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الدَّابَّةِ يَجُوزُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَجَبَ تَامًّا فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِيمَاءِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ السُّجُودِ فَأَمَّا مَا وَجَبَ عَلَى الدَّابَّةِ وَجَبَ بِالْإِيمَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ Object أَنَّهُ تَلَا سَجْدَةً وَهُوَ رَاكِب فَأَوْمَأَ بِهَا إيمَاءً.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ سَمِعَ سَجْدَةً وَهُوَ رَاكِبٌ قَالَ فَلْيُومِ

<<  <  ج: ص:  >  >>