للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِأَنَّ مَعْنَى التُّهْمَةِ ظَاهِرُ الِانْتِفَاءِ مِنْ الْغَيْبِ.

وَكَذَا مَعْنَى النُّصْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ نُصْرَةٌ مِنْ جِهَتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالتُّهْمَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْ الْقَاتِلِ الْمُعَيَّنِ، إذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ خَاطِئًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِيهَا سَاكِنٌ أَوْ كَانَتْ مُفَرَّغَةٌ مُغْلَقَةٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ - فَعَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمِلْكَ دُونَ السُّكْنَى؛ فَكَانَ وُجُودُ السُّكْنَى فِيهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَأَمَّا) أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا يُوجِبُ عَلَى السَّاكِنِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالدَّارِ يَدًا وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِلْكُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا - فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَرْبَابِ الْمِلْكِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ قَدْرُ أَنْصِبَاءِ الشُّرَكَاءِ أَوْ اخْتَلَفَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَ - فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا نِصْفَانِ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عَدَدُ الرُّءُوسِ لَا قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدَّارِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْحِفْظُ لَا يَخْتَلِفُ؛ وَلِهَذَا تَسَاوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ، وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الْمِلْكِ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا، وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي: أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْبَائِعِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْع خِيَارٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ - فَعَلَى مَنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّارِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى مَنْ تَصِيرُ الدَّارَ لَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ : الدِّيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ، فَتَكُونَ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ.

وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ - فَالْمِلْكُ لَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِلَا خِلَافٍ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لِلْبَائِعِ صُورَةُ يَدٍ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ، وَصُورَةُ الْيَدِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَسَامَةِ، كَيَدِ الْمُودِعِ، فَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى مَنْ تَصِيرُ الدَّارَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ لِلْبَائِعِ - فَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ صَارَتْ لِلْمُشْتَرِي - فَقَدْ انْبَرَمَ الْبَيْعَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكهَا بِالْعَقْدِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ.

(وَأَمَّا) تَصْحِيحُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمِلْكَ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ وَالتَّحْوِيلَ لَا الْيَدَ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ يَدَ تَصَرُّفٍ كَيَدِ السَّاكِنِ، وَالثَّابِتُ لِلْبَائِعِ صُورَةُ يَدٍ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَعْتَبِرَهُ، لَكِنْ لَا إشْكَالَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، وَالْحِفْظُ بِالْيَدِ حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّهُ يُضَافُ الْحِفْظُ إلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ بِهِ عَادَةً، فَيُقَامُ مَقَامَ الْيَدِ، فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بِهِ حَقِيقَةُ الْحِفْظِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ مُطْلَقَ الْيَدِ لَا يُعْتَبَرُ بَلْ الْيَدُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالْمِلْكِ، وَهَذِهِ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ يَدِ السَّاكِنِ.

وَإِذَا وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ (وَجْهُ) قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْقَتْلَ صَادَفَهُ، وَالدَّارُ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا صَارَ مِلْكَ الْوَرَثَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلُ الْقَاتِلِ، وَلَا صُنْعَ لِأَحَدٍ فِي الْمَوْتِ، بَلْ هُوَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ فَلَمْ يُقْتَلْ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَوَاقِلهمْ، وَلِأَنَّ وُجُودَهُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ بِنَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ هَدَرًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقَسَامَةِ - وَقْتَ ظُهُورِ الْقَتِيلِ، لَا وَقْتَ وُجُودِ الْقَتْلِ بِدَلِيلِ أَنْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ، وَالدَّارُ وَقْتَ ظُهُورِ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ؛ فَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى عَوَاقِلهمْ تَجِبُ، كَمَا لَوْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ ابْنِهِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لَهُمْ؟ فَكَيْفَ تَجِبُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ؟ وَكَذَا عَاقِلَتُهُمْ تَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ لَهُمْ أَيْضًا، وَفِيهِ إيجَابٌ لَهُمْ أَيْضًا وَعَلَيْهِمْ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ - فَالْجَوَابُ: مَمْنُوعٌ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لَهُمْ بَلْ لِلْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِهِ فَتَكُونُ لَهُ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجَهَّزُ مِنْهَا، وَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونَهُ، وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ ثُمَّ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ تَسْتَحِقُّهُ وَرَثَتُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْمَيِّتِ عَنْهُ، وَالْوَرَثَةُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ وُجِدَ الْأَبُ قَتِيلًا فِي دَارِ ابْنِهِ أَوْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا ابْنُهُ أَلَيْسَ أَنَّهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الِابْنِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>