للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامُ عَنْهُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقُنُوتِ وَالِاسْتِفْتَاحِ فَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ يَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَا فِيمَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ فَكَانَتْ الرَّكْعَةُ الْمُدْرَكَةُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الِاسْتِفْتَاحِ فَيَأْتِي بِهِ هُنَاكَ.

وَأَمَّا الْقُنُوتُ فَيَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فِي آخِرِ مَا يَقْضِي فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَمَا أَتَى بِهِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَى بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فِي آخِرِ مَا يَقْضِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أُولَئِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ الْقُنُوتَ عَنْ الْقَوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ فِي الْقُنُوتِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ لِشَبَهِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ وَمَعَ هَذَا قَالَ لَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَرَّةً مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الْقُنُوتِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَأْتِي بِهِ إذَا قَضَى رَكْعَةً وَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّكْرَارِ لَكِنَّ التَّكْرَارَ فِي التَّشَهُّدِ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ فِيمَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حُكْمًا هَذَا، وَهُوَ مَا يَقْضِي لَا ذَاكَ وَلَا يَأْتِي بِالْقُنُوتِ فِيمَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ آخِرُ صَلَاتِهِ حُكْمًا وَمَا يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَحَلُّ الْقُنُوتِ آخِرُ الصَّلَاةِ لَا أَوَّلُهَا فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الِاسْتِفْتَاحِ لَا فِي الْقُنُوتِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِفْتَاحِ احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ لِأَصْحَابِنَا بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِتْمَامِ عَلَى أَدَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ يَكُونُ بِآخِرِهِ فَدَلَّ أَنَّ الَّذِي يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْقَعْدَةِ عَلَى مَنْ سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ إذَا قَضَى رَكْعَةً

وَلَوْ كَانَ مَا يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَمَا وَجَبَتْ الْقَعْدَةُ الْوَاحِدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا عَقِيبَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا إذَا قَضَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَعْدَةُ وَالْقَعْدَةُ لَا تُفْتَرَضُ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ كَانَ مَا قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَحَلِّهِ فَيَكُونُ فَرْضًا لَهُ كَمَا لِلْإِمَامِ فَلَا يُفْتَرَضُ ثَانِيًا فِيمَا يَقْضِي كَمَا لَا يَأْتِي بِالْقُنُوتِ عِنْدَكُمْ ثَانِيًا لِحُصُولِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ حَيْثُ يَقْضِيهِمَا مَعَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ مَا يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَكَانَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَقْضِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الثَّالِثَةِ فَلَا بُدَّ لِلْمَسْبُوقِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِيهَا قَضَاءً عَنْ الْأُولَى، كَمَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى يَقْضِي فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ كَانَ قَرَأَ فَقِرَاءَتُهُ الَّتِي وُجِدَتْ فِي ثَالِثَتِهِ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي إذَا كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الثَّالِثَةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا تَنُوبُ عَنْ الْمُقْتَدِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّالِثَةِ لِهَذَا لَا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُؤَدَّى مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً وَمَا يُقْضَى آخِرَهَا حَقِيقَةٌ وَكُلُّ حَقِيقَةٍ يَجِبُ تَقْرِيرُهَا إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّغْيِيرِ، وَمَا أَدْرَكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَتَصِيرُ آخِرَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ إلَّا أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَظْهَرُ فِي حَقِّ مَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُقْتَدِي لَا فِي حَقِّ مَا لَا يَتَحَمَّلُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ فَانْعَدَمَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فَبَقِيَتْ الْحَقِيقَةُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِهَا وَتَقْرِيرِهَا.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤَدَّى مِنْ الْفَائِتِ وَالْفَائِتُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ فَكَانَ مَا يُؤَدِّيهِ الْمَسْبُوقُ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ وَهُوَ أَوَّلُ الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدْرَكَ لَمَّا كَانَ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إذْ لَوْ كَانَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَفَاتَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ وَإِنَّهُ مَانِعُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ فَيَقْضِي الِاتِّفَاقُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّابِعِ مَا لِلْمَتْبُوعِ وَإِلَّا فَاتَتْ التَّبَعِيَّةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى انْعِدَامِ الِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُوجَدُ فِي الْأُولَيَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>