للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْبَانِ: إزَارٌ وَرِدَاءٌ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ؛ وَلِأَنَّ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثَوْبَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِمَا وَيُصَلِّيَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِمَا أَيْضًا.

وَيُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاة تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي نَمِرَةٍ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُغَطَّى بِهَا رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ» .

وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ حَمْزَةَ ﵁ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهُ» فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ كَالرَّجُلِ يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَخْرُجُ فِيمَا يَخْرُجُ فِيهِ الْبَالِغُ عَادَةً فَكَذَا يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا لَمْ يُرَاهِقْ فَإِنْ كُفِّنَ فِي خِرْقَتَيْنِ: إزَارٍ، وَرِدَاءٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَكْثَرُ مَا تُكَفَّنُ فِيهِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ: دِرْعٌ، وَخِمَارٌ، وَإِزَارٌ، وَلِفَافَةٌ، وَخِرْقَةٌ هُوَ السُّنَّةُ فِي كَفَنِ الْمَرْأَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَاوَلَ اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ فِي كَفَنِهَا ثَوْبًا ثَوْبًا حَتَّى نَاوَلَهُنَّ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ آخِرُهُنَّ خِرْقَةٌ تَرْبِطُ بِهَا ثَدْيَيْهَا» وَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ ﵁؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي حَالِ حَيَاتِهَا تَخْرُجُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ عَادَةً: دِرْعٌ، وَخِمَارٌ، وَإِزَارٌ، وَمُلَاءَةٌ، وَنِقَابٌ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ تُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، ثُمَّ الْخِرْقَةُ تُرْبَطُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ، وَالْبَطْنِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ عَلَيْهَا الْكَفَنُ إذَا حُمِلَتْ عَلَى السَّرِيرِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا قَالَتْ: آخِرُهُنَّ خِرْقَةٌ تَرْبِطُ بِهَا ثَدْيَيْهَا.

، وَأَدْنَى مَا تُكَفَّنُ فِيهِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: إزَارٌ، وَرِدَاءٌ، وَخِمَارٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى السَّتْرِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا وَتَخْرُجَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُكْرَهُ أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ.

وَالْجَارِيَةُ الْمُرَاهِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغَةِ فِي الْكَفَنِ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَالسِّقْطُ يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَامِلَةٌ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ، وَاسْمُ الْمَيِّتِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَى بَعْضِ الْمَيِّتِ.

وَكَذَا مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا، أَوْ وُجِدَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ، أَوْ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا طُولًا أَوْ نِصْفُهُ مَقْطُوعًا عَرْضًا لَكِنْ لَيْسَ مَعَهُ الرَّأْسُ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُكَفَّنُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ فِي الْغُسْلِ يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْغُسْلِ، وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ يُكَفَّنُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.

وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا مَاتَ وَلَهُ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ لَكِنْ فِي خِرْقَةٍ؛ لِأَنَّ التَّكْفِينَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ لِلْمَيِّتِ.

وَلَا يُكَفَّنُ الشَّهِيدُ كَفَنًا جَدِيدًا غَيْرَ ثِيَابِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ وَكُلُومِهِمْ» .

[فَصْل فِي صِفَةُ الْكَفَنِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صِفَةُ الْكَفَنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ التَّكْفِينُ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِيضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «الْبَسُوا هَذِهِ الثِّيَابَ الْبِيضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» ، وَقَالَ النَّبِيُّ:«حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ» ، وَقَالَ:«إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَيِّتًا فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» وَالْبُرُودُ وَالْكَتَّانُ وَالْقَصَبُ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَالْخَلَقُ إذَا غُسِلَ وَالْجَدِيدُ سَوَاءٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ، وَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَجُوزُ لِكُلِّ جِنْسٍ أَنْ يَلْبَسَهُ فِي حَيَاتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يُكْرَهَ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِاللِّبَاسِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.

[فَصْلٌ كَيْفِيَّةُ التَّكْفِينِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّكْفِينِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجَمَّرَ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا أَيْ: مَرَّةً، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ وِتْرًا» ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ أَوْ الْغَسِيلَ مِمَّا يُطَيَّبُ وَيُجَمَّرُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: ﷺ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>