للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ اللُّزُوجَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ «أَنَّهُ أَكَلَ طَعَامًا فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَقَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» ، وَالْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ الْغُسْلِ فَلْيَغْتَسِلْ إذَا أَصَابَتْهُ الْغَسَّالَاتُ النَّجِسَةُ وَقَوْلُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ لِلْمُحْدِثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَعَائِشَةُ ﵂ إنَّمَا نَدَبَتْ الْمُتَسَابَّيْنِ إلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ تَكْفِيرًا لِذَنْبِ سَبِّهِمَا.

وَمَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ، أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ، أَوْ قَصَّ شَارِبَهُ، أَوْ نَتَفَ إبِطَيْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَلْمِ الظُّفْرِ وَجَزِّ الشَّعْرِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّطْهِيرُ قَدْ زَالَ، وَمَا ظَهَرَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّطْهِيرُ فَأَشْبَهَ نَزْعَ الْخُفَّيْنِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ تَمَّ؛ فَلَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِالْحَدَثِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ ظَاهِرَ الْبَدَنِ.

وَقَدْ زَالَ الْحَدَثُ عَنْ الظَّاهِرِ إمَّا بِالْغَسْلِ، أَوْ بِالْمَسْحِ، وَمَا بَدَا لَمْ يَحِلَّهُ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَبَعْدَ بُدُوِّهِ لَمْ يُوجَدْ حَدَثٌ آخَرُ، فَلَا تُعْقَلُ إزَالَتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّ الْوُضُوءِ هُنَاكَ لَمْ يَتِمَّ، لِأَنَّ تَمَامَهُ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَقَامَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ لِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ النَّزْعِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِذَا نَزَعَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَوَجَبَ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ تَتْمِيمًا لِلْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ نَتْفَ الْإِبِطِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَظْهَرُ بِالنَّتْفِ مَحَلًّا لِحُلُولِ الْحَدَثِ فِيهِ بِخِلَافِ قَلْمِ الْأَظْفَارِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ مَنْ مَسَحَ إبِطَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَتَأْوِيلُهُ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ لِتَلَوُّثِهِمَا بِعَرَقِهِ.

وَلَوْ مَسَّ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْحَدَثِ حَقِيقَةً، وَحُكْمًا إلَّا أَنَّهُ إذَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِلَّا، فَلَا.

وَمَنْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ عَلَى الْحَدَثِ، لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ الْمُتَوَضِّئُ إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ دَخَلَ الْخَلَاءَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَشَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا قَضَاهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا خَرَجَ إلَّا بَعْدَ قَضَائِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُحْدِثُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ جَلَسَ لِلْوُضُوءِ، وَمَعَهُ الْمَاءُ، وَشَكَّ فِي أَنَّهُ تَوَضَّأَ، أَوْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَا لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا شَكَّ غَسَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ، لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْحَدَثِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَفِي شَكِّ مَنْ غَسَلَهُ.

وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ مَا شَكَّ أَنَّ الشَّكَّ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَصِرْ عَادَةً لَهُ؛ لَا أَنَّهُ لَمْ يَبْتَلَّ بِهِ قَطُّ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَسْوَسَةٌ، وَالسَّبِيلُ فِي الْوَسْوَسَةِ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَتَفَرَّعَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَلَوْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ رَأَى الْبَلَلَ سَائِلًا مِنْ ذَكَرِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ لِوُجُودِ الْحَدَثِ، وَهُوَ سَيَلَانُ الْبَوْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ رَآهُ سَائِلًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْبَلَلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَوْلٌ ظَهَرَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِلًا، وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُرِيه ذَلِكَ كَثِيرًا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَوْلٌ، أَوْ مَاءٌ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ فَيَجِبُ قَطْعُهَا وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ فَيَقُولُ أَحْدَثْت أَحْدَثْت، فَلَا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» .

وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ، أَوْ إزَارَهُ بِالْمَاءِ إذَا تَوَضَّأَ قَطْعًا لِهَذِهِ الْوَسْوَسَةِ، حَتَّى إذَا أَحَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَحَالَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ كَانَ يَنْضَحُ إزَارَهُ بِالْمَاءِ إذَا تَوَضَّأَ» ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ «نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَأَمَرَنِي بِذَلِكَ» .

مَطْلَبُ مَسِّ الْمُصْحَفِ (وَأَمَّا) الثَّانِي، وَهُوَ بَيَانُ حُكْمِ الْحَدَثِ فَلِلْحَدَثِ أَحْكَامٌ، وَهِيَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْمُحْدِثِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لِفَقْدِ شَرْطِ جَوَازِهَا، وَهُوَ الْوُضُوءُ قَالَ ﷺ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءٍ» ، وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ غُلَافٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُبَاحُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ غُلَافٍ وَقَاسَ الْمَسَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: يَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ.

(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى ﴿لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩] وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ، وَلِأَنَّ تَعْظِيمَ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ مِنْ التَّعْظِيمِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدٍ حَلَّهَا حَدَثٌ، وَاعْتِبَارُ الْمَسِّ بِالْقِرَاءَةِ غَيْرُ سَدِيدٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْفَمِ وَظَهَرَ فِي الْيَدِ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ افْتَرَضَ غَسْلَ الْيَدِ، وَلَمْ يَفْتَرِضْ غَسْلَ الْفَمِ فِي الْحَدَثِ فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ، وَلَا مَسُّ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصْحَفِ كَحُرْمَةِ مَا كُتِبَ مِنْهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْكِتَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ، وَعَلَى الدَّرَاهِمِ، وَلَا مَسُّ كِتَابِ التَّفْسِيرِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَسِّهِ مَاسًّا لِلْقُرْآنِ.

وَأَمَّا مَسُّ كِتَابِ الْفِقْهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>