للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَعْنِي بِهِ سَبَبَ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ وُجُوبِ الْعُشْرِ حَتَّى يَجِبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ جَبْرًا وَيَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ يَقَعُ عِبَادَةً فَيَنَالُ ثَوَابَ الْعِبَادَةِ.

وَإِذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ فِعْلِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ثَوَابُ ذَهَابِ مَالِهِ فِي وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ ثَوَابِ الْمَصَائِبِ كُرْهًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ جَبْرًا وَإِنْ أُخِذَ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالطَّعَامُ قَائِمٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ.

وَكَذَا مِلْكُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ فَيَجِبُ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَهِيَ الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ فَكَانَ مِلْكُ الْأَرْضِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَيَجِبُ فِي أَرْضِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ آجَرَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ فَعُشْرُ الْخَارِجِ عَلَى الْمُؤَاجَرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخَارِجَ لِلْمُؤَاجِرِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ زَرَعَ بِنَفْسِهِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ قَابِلٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَا الْخَارِجِ، وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَهُمَا وَالْخَارِجُ يُسَلَّمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَارِجَ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ عَيْنًا حَقِيقِيَّةً فَلَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ فَيُقَابِلُهُ الْأَجْرُ فَكَانَ الْخَارِجُ لِلْآجِرِ مَعْنًى فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ هَلَكَ الْخَارِجُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَصَادِ فَلَا عُشْرَ عَلَى الْمُؤَاجِرِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُؤَاجِرِ عُشْرُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْقُطَ بِهَلَاكِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعُشْرُ بِهَلَاكِهِ وَلَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْخَارِجُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ، أَوْ قَبْلَهُ هَلَكَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْعُشْرِ.

وَلَوْ أَعَارَهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَزَرَعَهَا فَالْعَشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى الْمُعِيرِ وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُعِيرِ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ هِبَةَ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ هِبَةَ الزَّرْعِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لِلْمُسْتَعِيرِ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُعِيرِ فِي مُقَابِلَتِهَا عِوَضٌ فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

وَلَوْ أَعَارَهَا مِنْ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ دَفَعَهَا مُزَارِعَةً فَإِمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَالْمُزَارِعَةُ جَائِزَةٌ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا.

وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ كَانَ يُجِيزُهَا كَانَ يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِهِ جَمِيعُ الْعُشْرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ فِي حِصَّتِهِ جَمِيعَ الْعُشْرِ يَجِبُ فِي عَيْنِهِ وَفِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.

وَلَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْعُشْرُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْخَارِجِ لَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ فَعَلَى الْغَاصِبِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْهُ وَعُشْرُ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ.

وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي الْغَصْبِ إذَا لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْغَاصِب وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: اُنْظُرْ إلَى نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَإِلَى الْخَرَاجِ فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْخَرَاجِ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَيُؤَدِّي الْخَرَاجَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ أَقَلَّ مِنْ الْخَرَاجِ عَلَى الْغَاصِبِ وَسَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ.

وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ وَفِيهَا زَرْعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>