للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمَّلَ الْأَوْسُقَ بِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْعَامِلِينَ مُطَالَبَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي فِي عَمَلِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا اتَّفَقَ الْمَالِكُ ضُمَّ الْخَارِجُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَرْضُونَ وَالْعُمَّالُ وَهَذَا لَا يُحَقِّقُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَابَ فِي غَيْرِ مَا أَجَابَ بِهِ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمَالِكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُخَاطَبٌ بِالْأَدَاءِ لِاجْتِمَاعِ النِّصَابِ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمُطَالَبَةِ الْعَامِلِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْأَرْضُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا أَخْرَجَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَنَّهُ لَا عُشْرَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ.

وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَالِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَرْضِ الْمُكَاتَبِ وَأَرْضِ الْمَأْذُونِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَمَالُ النِّصَابِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَقَدْ وُجِدَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ عِنْدَهُمَا شَرْطُ الْوُجُوبِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْأَوْسُقِ عِنْدَهُمَا فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ فَقَدْ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةُ الْخَارِجِ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَبَرُ خَمْسَةُ أَمْثَالٍ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَالْقُطْنُ يُعْتَبَرُ بِالْأَحْمَالِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَيُعْتَبَرُ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَثَمِائَةِ مَنٍّ فَتَكُونُ جُمْلَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ مَنٍّ، وَالزَّعْفَرَانُ يُعْتَبَرُ بِالْأَمْنَانِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَمْنَانٍ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ فِي السُّكَّرِ يُعْتَبَرُ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ فِي الْمَوْسُوقَاتِ لِكَوْنِ الْوَسْقِ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي بَابِهِ وَأَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَوْسُوقِ مَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اعْتِبَارُ الْوَسْقِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ صُورَةً وَمَعْنًى يُعْتَبَرُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ مَعْنًى وَهُوَ قِيمَةُ الْمَوْسُوقِ.

وَأَمَّا الْعَسَلُ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَإِلَّا فَلَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْأَوْسُقِ فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ قَدْرَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ لَا يُكَالُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ بِعَشْرَةِ أَرْطَالٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ خَمْسَ قِرَبٍ كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسُونَ مَنًّا، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَنًّا فَتَكُونُ جُمْلَتُهُ تِسْعِينَ مَنًّا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ خَمْسَةِ أَمْثَالٍ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اعْتَبَرَ فِي نِصَابِ الْعَسَلِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ فِي رِوَايَةٍ وَخَمْسَ قِرَبٍ فِي رِوَايَةٍ وَخَمْسَةَ أَمْنَانٍ فِي رِوَايَةٍ، ثُمَّ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِي الْعَسَلِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا ﵏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا عُشْرَ فِيهِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا رُوِيَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْعَسَلِ لَمْ يَثْبُتْ.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ بَلْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ حَيَوَانٍ فَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ نَامِيَةً بِهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَك وُجُوبُ الْعُشْرِ فِي الْعَسَلِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ لِي نَحْلًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَدِّ عُشْرَهَا فَقَالَ أَبُو سَيَّارَةَ احْمِهَا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَحَمَاهَا لَهُ؟» وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ بَطْنًا مِنْ فِهْرٍ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ نَخْلٍ لَهُمْ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً وَكَانَ يُحْمَى لَهُمْ وَادِيَيْنِ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ ﵁ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَاكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالُوا: إنَّمَا كَانَ شَيْئًا نُؤَدِّيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَتَبَ ذَلِكَ سُفْيَانُ إلَى عُمَرَ ﵁ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ ﵁ إنَّمَا النَّخْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى رِزْقًا إلَى مَنْ يَشَاءُ فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاحْمِ لَهُ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا فَأَدَّوْا إلَيْهِ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرُ» ، وَعَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>