للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَالزَّجْرُ يَحْصُلُ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَامَعَ بَعْدَ مَا كَفَّرَ عُلِمَ أَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ.

وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ فَأَعْتَقَ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَأَعْتَقَ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَأَعْتَقَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُجْزِئُ عَنْ الْأُولَى.

وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ تُجْزِئُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يُجْزِئُ عَمَّا تَأَخَّرَ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُولَى أَيْضًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِحْقَاقِ يَلْتَحِقُ بِالْعَدَمِ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ أَفْطَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَتَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَجْزَأَتْ عَنْ الْأُولَى، وَالْأَصْلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ الثَّانِي يُجْزِئُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَلَا يُجْزِئُ عَمَّا بَعْدَهُ.

وَأَمَّا صِيَامُ غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِإِفْسَادِ شَيْءٍ مِنْهُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ عُرِفَ بِالتَّوْقِيفِ، وَأَنَّهُ صَوْمٌ شَرِيفٌ فِي وَقْتٍ شَرِيفٍ لَا يُوَازِيهِمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصِّيَامِ وَالْأَوْقَاتِ فِي الشَّرَفِ وَالْحُرْمَةِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَأَمَّا الصِّيَامُ الْمَفْرُوضُ: فَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا كَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالْمَنْذُورِ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ لِفَوَاتِ الشَّرَائِطِ وَهُوَ التَّتَابُعُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ وَالنَّذْرِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهِ عَمَّا عَلَيْهِ وَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ، وَعَلَيْهِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَفِي الْمَنْذُورِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَسَدَ.

وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ: فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْنَا حَيْسٌ فَأَكَلْنَا مِنْهُ فَسَأَلَتْ حَفْصَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْمُضِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الصَّوْمِ الْمَظْنُونِ إذَا أَفْسَدَهُ بِأَنْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ.

وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَلِهَذَا نُدِبَ إلَى الْمُضِيِّ فِيهِ، وَالشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ مُلْزَمٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا كَانَ الشُّرُوعُ فِي الْحَجِّ الْمَظْنُونِ مُلْزَمًا كَذَا الصَّوْمُ وَلَنَا أَنَّهُ شَرَعَ مُسْقِطًا لَا مُوجِبًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالشُّرُوعِ إسْقَاطَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا، وَالشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ لِشُرُوعِهِ فِي الْعِبَادَةِ فِي زَعْمِهِ وَتَشَبُّهِهِ بِالشَّارِعِ فِي الْعِبَادَةِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ كَمَا يُثَابُ الْمُتَشَبِّهُ بِالصَّائِمِينَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ إذَا أَفْطَرَ بِعُذْرٍ، وَالِاشْتِبَاهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي بَابِ الصَّوْمِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لَوَقَعَ فِي الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ فِي بَابِ الْحَجِّ نَادِرٌ غَايَةَ النُّدْرَةِ، فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ فَلَا يَكُونُ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الصَّوْمِ الْمُؤَقَّتِ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا حُكْمُ الصَّوْمِ الْمُؤَقَّتِ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ فَالصَّوْمُ الْمُؤَقَّتُ نَوْعَانِ: صَوْمُ رَمَضَانَ وَالْمَنْذُورُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ.

أَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: وُجُوبُ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ فِي حَالٍ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي حَالٍ وَوُجُوبُ الْفِدَاءِ فِي حَالٍ.

أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَلَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَقَدِمَ الْمُسَافِرُ مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ.

وَكَذَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ بِأَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>