للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ رِجْلٍ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.

وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ لِحُصُولِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ فَتَتَكَامَلُ الْكَفَّارَةُ، وَقَلْمُ أَظَافِيرِ كُلِّ عُضْوٍ ارْتِفَاقٌ عَلَى حِدَةٍ، فَيَسْتَدْعِي كَفَّارَةً عَلَى حِدَةٍ.

وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ وَاحِدٌ حَظَرَهَا إحْرَامٌ وَاحِدٌ بِجِهَةٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمَةٍ، فَلَا يُوجِبُ إلَّا دَمًا وَاحِدًا، كَمَا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ الرُّبُعَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ.

وَلَوْ حَلَقَ الْكُلَّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ انْهَتَكَ حُرْمَتُهُ بِقَلْمِ أَظَافِيرِ الْعُضْوِ الْأَوَّلِ، وَهَتْكُ الْمَهْتُوكِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَلِهَذَا لَا يَجِبُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِفْطَارِ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ جَبْرًا لَهَا، وَقَدْ انْهَتَكَ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ هَتْكًا بِالْإِفْسَادِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ انْجَبَرَ الْهَتْكُ بِالْكَفَّارَةِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَعَادَتْ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا هَتَكَهَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى جَبْرًا لَهَا كَمَا فِي كَفَّارَةِ رَمَضَانَ، وَلَهُمَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْإِحْرَامِ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالْإِحْرَامُ قَائِمٌ فَكَانَ كُلُّ فِعْلٍ جِنَايَةً عَلَى حِدَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ فَيَسْتَدْعِي كَفَّارَةً عَلَى حِدَةٍ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ حَقِيقَةً مُتَّحِدَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ جَامِعًا لِلْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ أَعْطَى لِكُلِّ جِنَايَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا، فَيُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بَلْ جَبْرًا لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ.

وَحُرْمَةُ الشَّهْرِ وَاحِدَةٌ لَا تَتَجَزَّأُ، وَقَدْ انْهَتَكَتْ حُرْمَتُهُ بِالْإِفْطَارِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُحْتَمَلُ الْهَتْكُ ثَانِيًا.

وَلَوْ قَلَمَ أَظَافِيرَ يَدٍ لِأَذًى فِي كَفِّهِ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ إذَا فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ عَنْ ضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُ الْمُحْرِمِ فَانْقَطَعَتْ مِنْهُ شَظِيَّةٌ فَقَلَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهَا كَالزَّائِدَةِ؛ وَلِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ النَّمَاءِ فَأَشْبَهَتْ شَجَرَ الْحَرَمِ إذَا يَبِسَ فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا، وَإِنْ قَلَمَ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ أَوْ قَلَمَ الْحَلَالُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَلْقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالذِّكْرُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالطَّوْعُ وَالْكُرْهُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِالْقَلْمِ سَوَاءٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ، إلَّا أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ ضِعْفَ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَوَابِعِ الْجِمَاعِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى تَوَابِعِ الْجِمَاعِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَجْتَنِبَ الدَّوَاعِيَ مِنْ التَّقْبِيلِ، وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ، وَالْمُبَاشَرَةِ، وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ: إنَّ الرَّفَثَ جَمِيعُ حَاجَاتِ الرِّجَالِ إلَى النِّسَاءِ.

وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَمَّا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ مِنْ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَتْ: " يَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْكَلَامَ " فَإِنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ، أَوْ بَاشَرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، لَكِنْ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ، أَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الْحَجِّ؛ فَلِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ فَلِحُصُولِ ارْتِفَاقٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَاشَرَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ يَرَوْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ عَنْ شَهْوَةٍ فَأَمْنَى، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ، أَمْنَى أَوْ لَمْ يُمْنِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ اللَّمْسَ اسْتِمْتَاعٌ بِالْمَرْأَةِ وَقَضَاءٌ لِلشَّهْوَةِ فَكَانَ ارْتِفَاقًا كَامِلًا.

فَأَمَّا النَّظَرُ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِزَرْعِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَلْبِ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَزْرَعُ الشَّهْوَةِ كَالْأَكْلِ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَوْلُهُ: " أَمْنَى " لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ.

[فَصْلٌ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَا يَرْجِعُ إلَى الصَّيْدِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى.

الصَّيْدِ فَنَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِصَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ عِنْدَنَا إلَّا الْمُؤْذِيَ الْمُبْتَدِئَ بِالْأَذِي غَالِبًا.

وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِ الصَّيْدِ أَنَّهُ مَا هُوَ؟ وَفِي بَيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>