للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَرَخَّصُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ إظْهَارُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالْإِرْسَالِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَبِيعُونَ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ، وَهِيَ كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْقَبَجِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ حَرَامًا لَظَهَرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ، فَالْجَوَابُ: إنَّ تَرْكَ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا بَلْ لِكَوْنِهِ مَحِلَّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ Object، وَالْإِنْكَارُ لَا يَلْزَمُ فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِذَبْحِهِ؛ فَلِأَنَّهُ ذَبَحَ صَيْدًا مُسْتَحِقَّ الْإِرْسَالِ، وَأَمَّا فَسَادُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ إرْسَالَهُ وَاجِبٌ، وَالْبَيْعُ تَرْكُ الْإِرْسَالِ.

وَلَوْ بَاعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُسْتَحِقُّ الْفَسْخِ حَقًّا لِلشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَدْخَلَ صَقْرًا أَوْ بَازِيًا فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الصُّيُودِ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ فَجَعَلَ يَقْتُلُ حَمَامَ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ وَقَدْ أَرْسَلَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ فَجَعَلَ يَقْتُلُ صَيْدَ الْحَرَمِ.

وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَاتَّبَعَهُ الْكَلْبُ، فَأَخَذَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْسِلِ، وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ، أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْإِرْسَالِ، إذْ الْإِرْسَالُ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ وَالْإِرْسَالِ وَقَعَ مُبَاحًا لِوُجُودِهِ فِي الْحِلِّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَأَمَّا حُرْمَةُ أَكْلِ الصَّيْدِ؛ فَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ ذَبْحٌ لِلصَّيْدِ، وَأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ آدَمِيٌّ إذْ فِعْلُ الْكَلْبِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْل الْآدَمِيِّ.

وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَنَفَرَ الصَّيْدُ فَوَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ Object فِيمَا أَعْلَمُ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ لِحُصُولِهِ فِي الْحِلِّ، وَالْأَخْذُ وَالْإِصَابَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُضَافُ إلَى الْمُرْسِلِ وَالرَّامِي وَخَاصَّةً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَ الرَّمْيِ فِي الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ فِيمَنْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ مَثَلًا: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الرَّمْيِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الرَّمْيِ، وَلَمْ يُوجِبُوا فِي الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْإِصَابَةِ بِمَجْرَى الْعَادَةِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ يَقْطَعُ نِسْبَةَ الْأَثَرِ إلَيْهِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَيْهِ شَرْعًا فِي الْأَحْكَامِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ، وَهَهُنَا قَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَهُوَ الْكَلْبُ فَمَنَعَ إضَافَةَ الْأَخْذِ إلَى الْمُرْسِلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَ حَمَامَ الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.

وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَ لَهُ شَرَكًا فَأَصَابَ الْكَلْبُ صَيْدًا أَوْ وَقَعَ فِي الشَّرَكِ صَيْدٌ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ عَلَى الذِّئْبِ، وَنَصْبُ الشَّبَكَةِ لَهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الذِّئْبِ مُبَاحٌ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ جَمِيعًا؛ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ الْمُبْتَدِئَةِ بِالْأَذَى عَادَةً، فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسَبُّبِ فَيَضْمَنُ.

وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً فِي الْحَرَمِ لِلصَّيْدِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي نَصْبِ الشَّبَكَةِ وَالْحَفْرِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسَبُّبِ فَيَضْمَنُ.

وَلَوْ نَصَبَ خَيْمَةً فَتَعَقَّلَ بِهِ صَيْدٌ، أَوْ حَفَرَ لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدُ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ،.

وَقَالُوا فِيمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَأَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَمَاتَ أَوْلَادُهَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَدَّى جَزَاءَهَا مَلَكَهَا فَحَدَثَتْ الْأَوْلَادُ عَلَى مِلْكِهِ.

وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ: إنَّ ذَبْحَهُ.

وَالِانْتِفَاعَ بِلَحْمِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ سَوَاءٌ كَانَ أَدَّى جَزَاءَهُ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ، غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ هَذَا الصَّنِيعَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهِ، أَمَّا حِلُّ الذَّبْحِ فَلِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ فِي الْحَالِّ فَلَا يَكُونُ ذَبْحُهُ حَرَامًا.

وَأَمَّا كَرَاهَةُ هَذَا الصَّنِيعِ فَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَذَبَحَهُ وَانْتَفَعَ بِلَحْمِهِ وَأَدَّى قِيمَتَهُ، فَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَضْمُونِ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ فَلَا يَضْمَنُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَاسْتَعَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>