للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغُنْيَةُ عَنْ الْإِفْصَاحِ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.

وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَصِيَّةٍ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْهُ.

وَيَجِبُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ قَدْ صَحَّتْ.

وَإِذَا حُجَّ عَنْهُ يَجُوزُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ.

وَهِيَ نِيَّةُ الْحَجِّ عَنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَجُّ بِمَالِ الْمُوصِي أَوْ بِأَكْثَرِهِ إلَّا تَطَوُّعًا، وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا لَا مَاشِيًا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ سَوَاءٌ قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ أَمَّا إذَا قَيَّدَ فَظَاهِرٌ.

وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ مِنْ بَلَدِهِ فَمُطْلَقُ الْوَصِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: ﵀ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْهُ فِي خُرَاسَانِيٍّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ بِمَكَّةَ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَكِّيٍّ قَدِمَ الرَّيَّ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجُّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ، فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُقْرَنَ عَنْهُ قُرِنَ عَنْهُ مِنْ الرَّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ فَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا يَصِحُّ - وَهُوَ الْقِرَانُ - مِنْ حَيْثُ مَاتَ هَذَا إذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ حُجَّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ يُحَجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا.

وَكَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمَالٍ سَمَّى مَبْلَغَهُ إنْ كَانَ يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ حُجَّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا عَلَى مَا قَصَدَهُ الْمُوصِي، وَهَذَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ الْمَالِ ثَمَنَ النَّسَمَةِ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ غَرَضَ الْمُوصِي مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، وَذَلِكَ فِي التَّصْحِيحِ لَا فِي الْإِبْطَالِ.

وَلَوْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ لَبَطَلَتْ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ لَصَحَّتْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لَهَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ النَّسَمَةِ تَعَذَّرَ التَّصْحِيحُ أَصْلًا وَرَأْسًا فَبَطَلَتْ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ أَقْرَبَ مِنْ مَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَجِّ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.

وَإِنْ كَانَ خَرَجَ لِلْحَجِّ فَمَاتَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ قَدْرَ مَا قَطَعَ مِنْ الْمَسَافَةِ فِي سَفَرِهِ بِنِيَّةِ الْحَجِّ مُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَجِّ لَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠] فَسَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ يُعْتَبَرُ لَكِنْ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ - وَهُوَ الثَّوَابُ - لَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْأَدَاءُ فَبَطَلَ بِالْمَوْتِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَكَلَامُنَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا.

وَلَوْ خَرَجَ لِلْحَجِّ فَأَقَامَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ حَتَّى دَارَتْ السَّنَةُ ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ ذَلِكَ السَّفَرَ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ عَمَلُ الْحَجَّةِ الَّتِي سَافَرَ لَهَا فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَنْ الْحَجِّ.

وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ عَنْهُ إلَّا مَاشِيًا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِهِ وَلَكِنْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا جَازَ، وَإِنْ أَحَجُّوا مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا جَازَ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُوصِي بِالْحَجِّ إذَا اتَّسَعَتْ نَفَقَتُهُ لِلرُّكُوبِ فَأَحَجُّوا عَنْهُ مَاشِيًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا فَإِطْلَاقُ الْوَصِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ كَأَنَّهُ أَوْصَاهُ بِذَلِكَ.

وَقَالَ أَحِجُّوا عَنِّي رَاكِبًا.

وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَاشِيًا كَذَا هَذَا (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ إنَّ فَرْضَ الْحَجِّ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالرُّكُوبِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِبَلَدِهِ، وَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُمَا جَمِيعًا، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالٌ مِنْ وَجْهٍ وَنُقْصَانٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ أَيُّهُمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فَحُجَّ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ يَبْلُغُ، وَفَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ وَتُبُيِّنَ أَنَّهُ كَانَ يَبْلُغُ مِنْ مَوْضِعٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَضْمَنُهُ الْوَصِيُّ وَيُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ؛ لِأَنَّهُ تُبُيِّنَ أَنَّهُ خَالَفَ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاضِلُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ زَادٍ أَوْ كِسْوَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا ضَامِنًا وَيَرُدُّ الْفَضْلَ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي وَطَنَانِ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْوَطَنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ بِيَقِينٍ وَفِي دُخُولِ الْأَبْعَدِ شَكٌّ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَجَبَ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ إذَا أَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ وَيَحُجُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>