للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْأَمْرِ، ثُمَّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الْغَنَمِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِيهِ كَذَا فِي النُّذُورِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِشَيْئَيْنِ: إرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ وَلَا يُوجَدْ فِي الْقِيمَةِ إلَّا أَحَدُهُمَا - وَهُوَ التَّصَدُّقُ - وَيَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: (الْحَرَمُ كُلُّهُ مَنْحَرٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ﷿ ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] الْحَرَمُ.

وَأَمَّا الْبَدَنَةُ إذَا أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ، فَإِنَّهُ يَنْحَرُهَا حَيْثُ شَاءَ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ، فَلَا يَجُوزُ نَحْرُهَا إلَّا بِمَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَرَى أَنْ يَنْحَرَ الْبُدْنَ بِمَكَّةَ؛ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] أَيْ، الْحَرَمِ (وَلَهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْبَدَنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى امْتِيَازِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَدَانَةِ - وَهِيَ الضَّخَامَةُ - يُقَالُ: بَدَنَ الرَّجُلُ، أَيْ ضَخُمَ وَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] أَنَّ: تَعْظِيمَهَا اسْتِسْمَانُهَا، وَلَوْ أَوْجَبَ جُزْءًا فَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ.

وَيَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ دَمَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ يَجُوزُ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا يَجُوزُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ دَمُ الْإِحْصَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ.

وَأَدْنَى السِّنِّ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا، وَهُوَ الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ عَظِيمًا وَبَيَانُ مَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيَانِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ مَوْضِعُهُ كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ.

وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِظَهْرِهَا وَصُوفِهَا وَلَبَنِهَا إلَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ مِنْ ظُهُورِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ: إلَى أَنْ تُقَلَّدَ وَتُهْدَى ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] ، أَيْ ثُمَّ مَحِلُّهَا إذَا قُلِّدَتْ وَأُهْدِيَتْ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا، فَالْقُرْبَةُ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الْقُرْبَةُ فِيهَا بِالْإِرَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ ارْكَبْهَا وَيْحَكَ فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْحَكَ» وَقِيلَ: وَيْحَكَ كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَوَيْلَكَ كَلِمَةُ تَهَدُّدٍ، فَقَدْ أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُكُوبَ الْهَدْيِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ قَدْ أَجْهَدَهُ السَّيْرُ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ.

وَعِنْدَنَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ بِبَدَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِبَدَلٍ، وَكَذَا فِي الْهَدَايَا إذَا رَكِبَهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ يَضُمُّ مَا نَقَصَهَا الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا فَلَبَنُهَا يُؤْذِيهَا فَيُنْضَحُ بِالْمَاءِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ وَيَرْقَى لَبَنُهَا، وَمَا حُلِبَ قَبْلَ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْقُرْبَةِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا إنَّهَا تُذْبَحُ وَيُذْبَحُ وَلَدُهَا كَذَا هَذَا.

، فَإِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا نَحَرَهُ، وَهُوَ لِصَاحِبِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَغَمَسَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ ثُمَّ ضَرَبَ صَفْحَةَ سَنَامِهِ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ، وَلَا يَأْكُلُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُطْعِمُ أَحَدًا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَاجِبًا، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ فَإِذَا انْصَرَفَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْوَاجِبِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ، فَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ تَعَيَّنَتْ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَنْحَرُهُ وَيَفْعَلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِمَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ بَعَثَ هَدْيًا عَلَى يَدِ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَزْحَفَ مِنْهَا، أَيْ قَامَتْ مِنْ الْإِعْيَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مَا أَفْعَلُ بِمَا يَقُومُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: ﷺ انْحَرْهَا وَاصْبُغْ نَعْلَهَا بِدَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِك» وَإِنَّمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ كَانَتْ فِي ذَبْحِهِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ كَانَتْ الْقُرْبَةُ فِي التَّصَدُّقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>