للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مُفْسِدَات الْعُمْرَة]

وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يُفْسِدُهَا وَبَيَانُ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ فَاَلَّذِي يُفْسِدُهَا الْجِمَاعُ لَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ كَوْنِهِ مُفْسِدًا، وَذَلِكَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَجِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّوَافِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ؛ لِأَنَّ رُكْنَهَا الطَّوَافُ، فَالْجِمَاعُ حَصَلَ قَبْلَ أَدَاءِ الرُّكْنِ فَيُفْسِدُهَا كَمَا لَوْ حَصَلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي الْحَجِّ، وَإِذَا فَسَدَتْ يَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ لِأَجْلِ الْفَسَادِ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَدَنَةٌ كَمَا فِي الْحَجِّ فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ بَعْدَ مَا طَافَ الطَّوَافَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ حَصَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الرُّكْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِحُصُولِ الْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْحَجِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

[صِفَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ]

(كِتَابُ النِّكَاحِ) :

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْأَصْلِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ وَفِي بَيَانِ رُكْنِ النِّكَاحِ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ النِّكَاحِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضٌ حَالَةَ التَّوَقَانِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى النِّسَاءِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ يَأْثَمُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَى النِّسَاءِ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا، قَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ مِثْلُ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْفَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ: أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْوَطْءِ يَأْثَمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ مُبَاحٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْكَرْخِيِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، بِمَنْزِلَةِ الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ، كَرَدِّ السَّلَامِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ عَيْنًا، لَكِنْ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ، كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَالْوِتْرِ احْتَجَّ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ ﷿ ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وَقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ» .

وَقَوْلِهِ ﷺ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَمَرَ اللَّهُ ﷿ بِالنِّكَاحِ مُطْلَقًا، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ قَطْعًا، إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الزِّنَا وَاجِبٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالنِّكَاحِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا.

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] أَخْبَرَ عَنْ إحْلَالِ النِّكَاحِ، وَالْمُحَلَّلُ وَالْمُبَاحُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَلَفْظُ لَكُمْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَيَكُونُ مُبَاحًا كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ بَلْ: هُوَ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِذَا كَانَ مُبَاحًا لَا يَكُونُ وَاجِبًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَوْله تَعَالَى ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٣٩] وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لِيَحْيَى ﵊ بِكَوْنِهِ حَصُورًا، وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَأَنْ يُذَمَّ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُمْدَحَ.

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمُسْتَحَبٌّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ» أَقَامَ الصَّوْمَ مَقَامَ النِّكَاحِ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَدَلَّ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَيْضًا، لِأَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ.

وَلِأَنَّ فِي الصَّحَابَةِ ﵃ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِمَ مِنْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>